ذاكرةُ ميِّت
قطعَت هند سلسلةَ القراءةَ لديّ حينَ طرَقَت على الباب طرقاتٍ خفيفة فتفاجأت أنَّ الساعةَ صارت العاشرةَ صباحاً، قمتُ بإخفاءِ كلِّ شيءٍ في أقلَّ من دقيقةٍ ونصف، جلستُ قُبالَتَها أُعيدُ ترتيبَ نفسي، يحدُثُ أحياناً أن نجلِسَ في مكانٍ بينما يطوفُ العقلُ في أمكنةٍ كثيرةٍ، أُحاصِرُ نفسي بالأفكار، كنتُ بحاجةٍ لأنثى تُنسيني ما حصَل كلّه لكنِّي لم أستطِع الاقتراب من هند قيدَ شعرةٍ واحدة، لديَّ التهابات في منطقةٍ حساسةٍ من جسدي، كان المخرجُ الوحيد لأتَّقي جلوسَها طويلاً.
صارت تتحدَّثُ عن نيَّتِها زيارة مارموسى والاختلاء هناك بعض أيام عقِبَ انتهاءِ الدورةِ البرامجية الحالية، فأخبرتُها عن البرنامج الجديد الذي ستُقدِّمهُ فتاةٌ اسمُها نورين بحسب ما كتبَ عُطيل على هامشِ الاقتراح، إنها تعرِفُ نورين، التقَتها خلال الأسابيع الماضية عدَةَ مرَّاتٍ في الغرفةِ الصغيرة وفي نوهادرا، هكذا قالت، ثمَّ أضافت، إنها فتاةٌ جميلةٌ خجولةٌ طيِّبة، وربما ستنجحُ في المهمَّةِ الجديدة!
طال بنا الحديثُ عن نورين ومشروعنا الجديد في العمل قبلَ أن تمرِّر لي أخباراً عن معدَّاتٍ جديدةٍ ستصلُ إلى الجريدةِ من العراق يوم 24 الشهر الجاري، سيجلِبُها فريقٌ سيحضرُ إلى مؤتمر الصناعيين الذي سيقامُ على طريقِ المطار في فندقِ إيبلا!
أربعُ ساعاتٍ قضَتها هند في غرفتي قبلَ أن تُغادِرَ أمامَ برودي فهرَبتُ فوراً إلى الحاسب الذي أخفَيتُهُ قبل قدومِها الأخير وغرقتُ في تفاصيل الحكاية من جديد، في غمرةِ نهمي بالرسائل المكتوبة عُدتُ إلى الورَقتين وحديث جميل وسليم بيك، بدا الأمر واضحاً جداً، المعدَّاتُ ستأتي في مؤتمر الصناعيين بصفةٍ دبلوماسيةٍ لا تخضعُ لتفتيش وسيتمُّ إخراجُها من سوريا إلى تركيا عن طريقِ البحر ومن ثمَّ من ميناءِ مرسين فرضاً ستتجهُ إلى مكان آخر حيثُ ستدخلُ وتخرجُ باسمٍ آخر شرعي!
القصةُ بدَت مكتملةً عندي من جهةِ شيفرات العميد وبقيَت رسالةُ مادلين المغدروة مفتوحةً على كل الاحتمالات بعد ظهورِ حبيبِها السابق في مسرحِ الأحداث!
الساعاتُ تمرُّ وليلُ دمشقَ يداهِمُ الأحياءَ والأمواتَ معاً، صارَ سماعُ بعض العيارات الناريَّةِ أمراً طبيعياً في المدينة، الساعاتُ تمرُّ ومعها رحتُ أُعيدُ تركيبَ الرسائلِ التي كُتِبَت لرجلٍ غيري على مقربةٍ منّي فكنتُ الشاهدَ الذي لم يأبَه بكل الأحداث الجاريةِ من حولِه، إنها الحياةُ التي تمنحُ المُهمَّشين القدرةَ على الفعل في الزمنِ الضائع لذا علينا أن نتوقَّعَ منها كلَّ ما يُمكِن توقُّعهُ في الحزنِ والفرحِ على حدٍّ سواء، ليلُ دمشقَ ينحسِرُ على كلماتِها وينبلجُ الصباحُ وأنا أُنهي ما تبقَّى من الرسالةِ الأخيرة عند العاشرة صباحاً، العاشرةُ صباحاً هكذا يمرُّ الوقتُ في حضرةِ الاكتشاف المُقدَّس، إنَّها الروايةُ التي لم تُكتَب بعدٍ لكاتبٍ كانَ في محيطنا دوماً عن فتاةٍ تعلَّقَت به بفعل الكلمة، الكلمةُ أمضى من الرصاص وأقوى من الهتاف، الكلمةُ قادرةٌ على الحبِّ والكُرهِ والحرب، الكلمةُ ضياءٌ في قلوب المحبِّينَ وبغضاءُ في قلوب الحاقدين، هذه الروايةُ الناقصةُ لا بدَّ أن تكتمل بطريقةٍ ما، روايةُ رسائلِها التي تضمنَّت آلاف الحكايا الناقصة التي لم تكتمل، فأيُّ قدَرٍ جاءَ بها إليَّ لأكونَ الشاهدَ في دائرةِ الحدث، الشاهدَ والبطل معاً!
الحاديةُ عشرَة صباحاً وصوت الهاتف يرنُّ فيسحبني من مخدع كلماتِها بجوارِ مخدعِ المدينة، كانَ مهنَّد يخبرني بضرورة التواجدِ في جامع الأكرم لتصوير المظاهرة وحضورِها، عشرُ دقائقَ كانت كافيةً في هذه الجمعةُ كي أصلَ إلى جامع الأكرمِ على الطرفِ الآخر من أوتوستراد المزة، في طريقي إلى هناك ضربتُ خطَّ نظرٍ إلى غرفةِ هند وشريكتِها، البطلةُ الغائبةُ عن الحكاية، السحاقية التي تذرَّعَت بالدين لتقتلَ كل رجال قبيلتِها بعد أن تبرؤوا منها فصارت مُصادفةً في حضنِ عمِّها القاتل لأبيها! مفارقاتٌ بالجملة، قرَّرتُ أن أسترجعها ليلاً بعد انتهاءِ المظاهرة ومواجهةِ الجميع بالحقائق، سأذهبُ إلى غرفةِ هند وأطلب حضور نورين لأراها وأقدِّمَ لها جهازها المسروق ونُكمِل الحلقة المفقودة من الحكاية معاً بعد أن نذهبَ إلى الكاتب في عقلِها الباطن كي نُخبِرهُ عن تفاصيلَ لم يعرِفها يوماً وربما لم يتخيَّلها أبداً.
الساعةُ تمرُّ على دقائقِها ليخرُجَ الهتاف الأول، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الأمنُ يطوِّقُ المكان، يحاصرُ المُحاصرينَ ويبدأُ اعتقالاتٍ واسعة، أُحاوِلُ الهربَ باتجاه الأفرانِ الاحتياطية لأكونَ على المتحلِّق فأكمِل راكضاً باتجاه كفرسوسة إلَّا أنَّ العناصر الأمنية أفسدَت خطَّتي حين تلقَّيتُ ضربةً على رأسي وأُغميَ علي.
بعد 6 أشهر:
لا أعرفُ أينَ كنت، ولماذا كنتُ وبأيِّ طريقةٍ وصلت إلى المعتقل وخرجت منه، أردتُ أن أصرخَ بوجوهِ كلِّ من قابلتُ أنِّي كنتُ هناك، ووزني انخفَضَ إلى النصف، في الحقيقةِ أكثرُ من النصفِ بقليل، ملامِحي لا تُشبِهُني وأنا لا أُشبِهُ نفسي، لا أعرفُ أين أطوفُ الآن وكلُّ الأحياء باتت تُشبِهُ بعضها في الحزن، ستَّةُ شهورٍ متتاليةٍ أمضيتُها في زنازينَ متعدِّدة مع أُناس غريبي الطباع والعادات، في السجنِ تتأقلَمُ مع كلِّ شيء لم يكن ممكناً فيما سبَق، في السجنِ تتآلُفُ مع الغرائبِ وتنتظرُها لتكونَ طبيعيَّةً لحظةَ حدوثها، شارعُ الفارابي يمتدُّ أمامي فأبدأ خطواتي فيه دون أوراقٍ ثبوتية، فالشجرُ هنا يعرفني والحيطانُ تذكرُ مروري الأخير، أمام فيلا جميل وجدتُ حاجزاً صغيراً للجيش، اقتربتُ منهم وسألتُ عن المعلِّم بعد أن أخبرتُهُم أني عملتُ معهُ لفترةٍ طويلة، واحدٌ من الجنود رأفَ بحالتي الرثَّة، تناولَ من جيبهِ سيجارةً وطلبَ منّي الانصراف، أمام إصراري أخبرني أنَّ الرجلَ الذي أسألُ عنه لم يعد موجوداً بعد أن باعَ مجموعتهُ للدولة، عادت دمشقُ أمامي بمخاوفِها وتحفُّزِها من كلِّ شيء قادم بعد أن طرقتُ بابَ غرفةِ هند ففتحَ لي شابٌّ طويلُ القامةِ أخبرني أنَّهُ لا يعرفُ من سكنَ الغرفةَ قبله، مشيتُ إلى آخرِ الشارعِ حيثُ كانت غرفتي الصغيرة وأمام محاولاتي الحثيثة فتحَ بابها فتحت لي فتاةٌ لا تتجاوز الخامسةَ والعشرين من العمر، أخبرتني أنَّها استأجرَت الغرفة وزوجِها الشرطي الذي رجَتني أن أنصرِفَ قبل أن يأتي، سألتُها عن الأغراض التي كانت في الغرفة فقالت إنَهُم وضعوها في الشارع بكلِّ ما فيها ولم يروها ثانية!
هذه هي دمشقُ التي ترمي بنا إلى الشارعِ حين تنتهي صلاحيَّتُنا، كانت المدينةُ ضيِّقةً عليَّ، غابَت فيها كلُّ مظاهرِ الجذبِ في عينيَّ فرُحتُ أطوفُ على أحيائها باحثاً عن طعام ومأوى، كذبَ من قالَ إنَّ دمشقَ لا يجوعُ فيها أحد، كان أيتامها يسيرون بمحاذاة رحمها تماماً، لقد جعتُ وبردتُ أمام عيون الجميع، أفكارٌ تتقاذفني، أينَ كنتُ وماذا فعلت؟ أُحاولُ النومَ على الرصيف، النوم على الرصيف في المدن التي تغدو غريبة عنك و أنت منها تكون ككوابيسَ تأتيكَ من كل اتجاه، يتحاشى المارَّةُ في آخرِ الليل الاصطدامَ بي خوفاً من انتقال عدوى التشرُّدِ لهم، ساكنو دمشقَ لا يشبهون المدينةَ عندي، لا أهلَ لي ولا وطنَ فيها ولا أصدقاء، مُظاهرةٌ طيَّارةٌ أسمعُ أصواتَ الشبابِ فيها من بعيد، ككلبٍ احترفَ الشمَّ أتبعُ ذبذبات الصوت وصولاً إلى شارعٍ فرعي، كانوا عشرين شابَّاً، اندسستُ بينَهُم، تدفَّأتُ بهِم قبل أن نهرُبَ معاً مع وصولِ سيارات الأمن من بعيد، التصقتُ ببعضِهِم أريد أن أبقى معهم، حاولوا التملُّصَ منّي أمام هيأتي الرثَّة فشرحتُ لهم أين كنتُ ولماذا كنت، سائلاً إياهُم عن مهنَّد ومجلس داريا، أخذوني معهم إلى غرفةٍ في زاويةِ المخيَّم، على مدخلِ المخيَّمِ تماماً، هناك أخذتُ حماماً وأكلتُ ورحتُ أبكي دون أن أتحدَّث، كان الكلامُ عندي يقفُ على جرفٍ هارٍ من اللوعةِ والخساراتِ الكبيرة، الليلُ يعودُ ومعهُ تأتي الحماقاتُ كلّها، كنتُ بحاجةٍ أن أغسلَ نفسي من كلِّ شيء، تناولتُ جهاز لابتوب وفتحتُ الفيسبوك، بحثتُ عن اسم « نوهادرا» في الفيسبوك، كثيرٌ من الصفحاتِ تتحدَّثُ عن فتياتٍ جميلات، «نوهادرا» أماكنُ أثريةٌ في دهوك، «نوهادرا» جريدةٌ تهتمُّ بالشأنِ المحلي، حاولتُ الدخول إلى الصفحةِ الأخيرة فوجدت منشوراتٍ عامَّةٍ لا دليلَ فيها عن الذي أبحث عنه، وضعتُ اسم «نوهادرا» على محرِّكِ البحث، صفحةٌ من الويكيبيديا، مهرجانٌ للشعر، حفلاتٌ موسيقية، عنوانٌ واحدٌ استوقفني، «الأجهزةُ الأمنية في دبي تُحبِطُ عمليّةَ تهريبِ تماثيلَ ولوحاتٍ فسيفسائية تعود لسوريا والعراق»، فتحتُ الخبرَ ورُحتُ أقرأ تفاصيلَهُ ولُهاثي بدأت أنفاسَهُ تتقطَّع وارتعاشُ أصابعي يُفقدني السيطرة على جغرافيَّتي تحتي:
« تمكَّنت القوات الأمنية في ميناء جبل علي، من ضبطِ شحنةٍ مؤلَّفةٍ من عشرين تمثالاً منوَّعةً بين الحجر والبرونز، بالإضافةِ إلى قطعةٍ فسيفسائيَّةٍ تتحدَّثُ عن مذابحَ سيفو حيثُ ظهرَت فيها النساءُ في طابورٍ طويلٍ أمام الصُلبان الخشبية، هذه القطعةُ كانت مساحتُها ما يقارب ثلاثةَ أمتار بعرضٍ يصل إلى متر وخمسةٍ وثمانين سنتيمترا، تمَّ تقسيمُها إلى مربَّعات صغيرةٍ بطريقةٍ احترافية وحشوُها داخلَ قطعٍ من البلاستيك بعد رشِّها بمادةٍ تُستَعمَلُ عادةً للحفاظِ على اللون الخشبي في الأثاث، وفي تفاصيل العملية، إن الشحنةُ المضبوطة تمَّ إدخالُها إلى الدولة عبر باخرةٍ تركية يُرجَّحُ أنَّ منشأَ الحمولةِ كان من سوريا أو العراق، حيثُ دخلت إلى الدولة ضمن كونتينراتٍ للألبسةِ فبقِيَت يومين في الميناء قبلَ أن يحاول المتورطون تصديرها إلى بريطانيا، بعد أن تولَّت عصابةٌ مكوَّنةٌ من عدَّةِ أشخاص عمليةَ تسجيل التحفِ كمقتنياتٍ شخصية لعائلاتِ أجنبية مقيمة على أرض الدولة».
أمام هذا الخبرِ كانَ عليَّ أن أفهَمَ الرسالةَ المُشفَّرَة للعميد في غرفةِ القمار، في ظلِّ هذا التخبُّط جاء صوتُ هند، كانت المفاجأةُ صعبةَ التخيُّل عليَّ فكيفَ لي أن أنسى صوتها بالرغمِ من كلِّ ما حدث:
« أسعد الله مساءكُم، أينما كنتُم، وأهلاً ومرحباً بكم إلى حلقةٍ جديدةٍ من البرنامج اليومي طاولةٌ مستديرة….. «.
هند صارت ضمنَ كوادر التلفزيون الرسمي.
أمام هذه الخيباتِ المتتالية كانَ عليَّ النومُ طويلاً، النومُ بعمق هو المنجى الوحيدُ لي هذه الليلةَ هرباً من ظلامِ دمشق وتخبُّطِها بين طرفين، عادَت كوابيسُ الزنازين تجتاحني، رأيتُ أنَّ عصامَ أخبرني أنَّهُ دخلَ إلى غرفةِ مادلين ليسرِقَ الصندوق الخشبي الذي يتضمّن أوراقَ ملكيَّتِها لبعض العقارات فوجَدَها مقتولة، كان سهلاً عليهِ أن يسرِق الصندوقَ الصغير أمام جثَّتِها وسهلٌ أيضاً أن يستخرجَ هويَةً مزوَّرةً لزوجتِهِ تحملُ الاسمَ الحقيقي لمادلين ومواصفاتِها لتنقلَ ملكيَّةَ العقارات له كبيعٍ وشراء، وليغدو هو المالكُ الرسميُّ لكلِّ ذلك، كان هدفُهُ سرقةُ الصندوقُ وقتلُها لكنَّهُ وجدها مقتولة، أقسَمَ مرّات أنَّهُ وجدَها مقتولة وحيدة.
أفيقُ مرعوباً من هذا الحلم، عصام رأيتُهُ في أحد الزنازين لكنَّهُ لم يعترف لي بهذا الاعتراف، هل هو قالهُ حقَّاً وضاعَ في جملةِ الحقائقِ بقلبِ دمشق التي تحترف إخفاء الحقائق في دهاليزها السرية، لستُ أدري، فأنا لا أعرفُ أينَ كنتُ ولماذا كنتُ؟
صباحاً أُهروِلُ تجاهَ الباص الصغير ذاهباً نحَوَ مقرِّ التلفزيون حيثُ الجريدةُ بجانبِه، أُريدُ أن أرى نورين و نور ونوهادرا معاً، أريدُ أن أخبِرها أني الرجلُ المفقودُ في الروايةِ الناقصة، لأكمِلَ لها ما فاتَها في الغياب، الطريقُ يعبُّ بي الخطوات، يقتربُ الحلُم من نهايتِهِ، سأراها بعد قليل، أهبطُ من الباص عندَ كُشكِ السجائرِ الجديد على زاويةِ الشارِعِ المؤدِّي إلى المبنى، أتناولُ علبةً من بائعٍ شابٍّ يُتابِعُ بنهمٍ التلفاز الذي أذاعَ خبراً عن شريطٍ جديد يتضمَّنُ خيوطَ المؤامرةِ على البلاد، شدَّني انتباهُهُ فتوقَّفتُ لعشرِ دقائقَ دخَّنتُ خلالَها ثلاث سجائرَ متتالية، بينما كان حبيبُ مادلين يظهرُ بالكاميرا التي صوَّرتُهُ بها داعياً إلى الجهاد في البلاد كانت ضحكاتي تملأ المكان.
الشريطُ الذي صوّرتُهُ في عتمِ الليلِ وظلامِهِ الآن صارَ مادَّةً للتحليل والمستقبل، إنَّهُ المستقبل لا شيءَ أكثر ولا شيء أقل، أُديرُ ظهري للمدينةِ وأتَّجِهُ نحوَها، هي التي تقبعُ في زاويةٍ ما من المبنى المُقابل، صارت قبالتي تماماً، الخطواتً الأخيرةُ هي الأقسى والأصعب في كلِّ شيء، سأراها بعد قليلٍ لأخبرها بكلِّ ما كان ولنكتبَ معاً الحلقةَ الضائعةَ بعد إعادةِ تركيبِ المشاهدِ من جديد، أتخيَّلُها بينَ يديَّ طافحةً بالقصص وأنا بينَ يديها متعبٌ بحكاياتٍ لم تكتمل بعد..
الطريقُ يطول.. الخطواتُ الأخيرةُ هي الأصعبُ في كلِّ شيء.. قدماي تخبطانِ ببعض.. أُسرِعُ أكثر.. صرتُ قبالةَ البابِ تماماً.. أهمُّ بالدخول نحوَها، صوتُ تفجيرٍ كبير يضربُ البناءَ من الداخل، أتهاوى إلى الخلف، أسقُطُ عن الدرج، النيرانُ تأكُلُ كلَّ شيء.. النيرانُ تأكُلُ نوهادرا وتأكُلني، وتلتهمُ حكاياتنا السرية!