الشاعر المتمرد
كانت تجربة خمسين سنة من الشعر بالنسبة إلى نزار قباني برهانا واضحا على قدرة الحب أن يؤكد وجوده واستمراره حتى في زمن الفوضى والمأساة، وأن يعود دائما إلى تجديد إمكاناته الباذخة للفرح في وجه الكارثة التي طغت على العالم العربي المعاصر
بدأ نزار قباني حياته الشعرية في أربعينات القرن العشرين الماضي، في زمن كان لا يزال يحمل في طياته أملا كبيرا في إمكانية التعافي والنهوض وقدرة الأمة العربية على تأكيد حريتها وحضورها. غير أن قباني سرعان ما وجد نفسه منخرطا في حمأة الأوضاع الاجتماعية والسياسية في الوطن العربي، واستطاع في وقت مبكر من مساره الشعري أن يتعرّف على إشكالية الحياة العربية على حقيقتها: حياة هي نتاج للعدوان الخارجي والجور الداخلي، وفوق كل شيء، نتاج للسذاجة السياسية. وكان انهماكه بعالم المرأة هو الذي قاده في مطلع الخمسينات إلى اكتشاف حجم القمع والظلم الذي حاق بها، وإدراك مقدار العسف الذي طال حياتها. وما إن جاءت نهاية الستينات حتى كان قد اتخذ دوره الحاسم كمدافع أول عن حياتها وحريتها وحقوقها.
وبالرغم من التأثير الكبير الذي حملته قصائده السياسية وتوقيتها الدقيق، فإنه يبقى قبل كل شيء، شاعر الحب والجمال بامتياز. إن شعر الحب الذي كتبه نزار قباني يتجاوز المدار الشخصي لينفذ إلى وصف منبع الحب الإنساني الأبدي الذي لا يموت، ووصل الفردي بالكوني والخاص بالشمولي. ومع أنه عاشق لكل الفصول والأزمنة إلا أنه ينتمي بقوة إلى الزمن المعاصر.
لقد وضع نزار قباني تجربة الحب الأزلية ضمن إمكانات الفترة المعاصرة واحتياجاتها، رافضا بقوة مظاهر الفوضى وجميع أشكال الطغيان الحالية، وفي الوقت نفسه رافضا بقوة مماثلة اليأس والموت حاملا إلى قرائه، الذين لا عداد لهم، رسالة الحياة والأمل بإصراره على قدرة الحب على تأكيد نفسه وبسط وجوده في العالم.