صورة المراهق
“المراهقة، المراهق، المراهقون، الروح الفتية، والنفس القلقة.. موضوع طالما شغل الفكر والأدب والفن في كل الثقافات، وكذلك في الثقافة العربية ومجتمعاتها المترامية على جغرافيات تشهد مخاضات وصراعات عاصفة، لم تتوقف منذ مطلع القرن العشرين، وحتى اليوم.
حين تعلن الذات عن وصولها إلى مرحلة المراهقة، فإنها تعبّر أول ما تعبّر عن نفسها بالتمرّد الكلي. والتمرّد الكلي هنا تمرّد وجودي وليس تمرّدا على وضع من أوضاع الذات أملا بتحسين وضعها، بل هو التمرّد بالمعنى الذي أشار إليه ألبير كامو في كتابه “فلسفة التمرّد”، أي التمرّد الميتافيزيقي، تمرّد على العالم. ف
روح المراهقة هنا تظهر في ما سميته مرة بالنزعة اللائية. إن “اللاء” هنا التعبير عن أول وعي بالحرية، المراهق انتقل من حرية الطفل التي لا يعيها، إلى ذات أصبحت، بفضل وعيها لأناها، واعية بحريتها، وبفضل وعيها بحريتها نمت لديها قوة الرفض المعبّر عنها بـ”لا” المتمردة، والتي تميز روح المراهقة، حتى ليمكن القول إن روح المراهقة هي روح التمرّد. وهو ما يظهر في سلوك التأفف من كل ما كان يألفه الطفل.
فما كان الطفل متكيّفا عليه لم يعد ذا قيمة، وصارت أمام المراهقة بوصفها تأففا مهمة إعادة التكيّف مع العالم، فليس المراهق هو الكائن الجديد بل العالم كله بالنسبة إليه جديد ويحتاج إلى عملية تكيّف جديدة. هنا بالذات يظهر التوتر والصراع في الذات الجديدة، التوتر هو النتيجة الضرورية لروح التمرّد. هذه الروح التي تجد نفسها لأول مرة أمام اتخاذ قرارات متعلقة بالمصير.
هذا الوصف المجرّد يتعيّن على أنحاء مختلفة، وإن كان مشتركا لدى جميع المراهقين. لأن المراهق يحضر بوصفه تاريخ طفولة وتربية ودرجات قمع وحياة حب أو عنف أو فقر أو دعة أو حرمان، يحضر كل المكبوت اللاشعوري. أجل إنه كينونة جديدة. ولكن روح المراهقة ترافقه طوال مسار حياته، بل هي التي تحدد ظهوره في الحياة.”.
لم أجد خيرا من الملاحظة التي سلفت للمفكر أحمد برقاوي وما ألمعت إليه وأحاطت به من معان تتصل بالمراهقة فكرة وموضوعا وفضاء، لتكون مدخلا إلى موضوع الملف عن المراهقة والمراهق في ثقافة عربية تشهد صراعا مفتوحا بين صورة المراهق وقراءة تلك الصورة في مجتمع عربي ذي نزوع أبوي لم يفسح للمراهقة حيزا يليق بها، حيزا يطلّ على أفق مفتوح يمكن له أن يستوعب ويحاور تلك الكينونة التي نسميها المراهقة.
هنا مقالات وشهادات من كاتبات وكتاب عرب تطرح أفكارا عن اللحظة الأكثر تعقيدا وإشراقا معا في الاجتماع العربي: المراهقة. علما أن “الجديد” ستبقي هذا الملف مفتوحا لمقالات ومداخلات أخرى في الموضوع.