وداعاً أيها الماضي: مثقفون سعوديون يتحدثون عن ثقافة المستقبل
بنى تيار “الصحوة” في السعودية جدارا هائلا وسورا منيعا بينه وبين الحياة المدنية الحديثة، المتمثلة في الفنون وحضور المرأة والاهتمام بالفلسفة والموسيقى. ومنذ مطلع الثمانينات من القرن الماضي، حاربت “الصحوة” بواكير الرغبة المجتمعية في الانتقال من ثقافة الماضي إلى ثقافة المستقبل، من خلال منابر دينيّة واجتماعية، وقد طغت هذه الأفكار المعادية للعصر لسنوات، إلى أن اصطدمت مؤخرا بالموقف السعودي الرسمي المتطلّع إلى تغيير جوهري في السياسات الاجتماعية، وقد عبّر هذا التحوّل عن نفسه من خلال تصريح وليّ العهد محمد بن سلمان، الذي أشار بأن المملكة ستدمر الإسلام السياسي فورا.
في الخامس والعشرين من أبريل، عام 2016، تم الإعلان في السعودية عن رؤية لمستقبل البلاد تحت عنوان رؤية 2030، في محاولة للتأسيس لخطة استراتيجية لزمن ما بعد النفط، وقد تمحورت أبرز ملامح برنامج التحول الوطني في التعليم والصحة والإسكان والعدالة الاجتماعية، إضافة إلى البيئة العدلية والخدمات البلدية والبنى التحتية.
هذه التحوّلات لا تخصّ الجانب الاقتصادي والسياسي والتنموي فحسب، بل لامست النسيج الثقافي والاجتماعي والفكري، إذ شكّلت مناخات جديدة للأفكار والتصورات لمستقبل التعليم والثقافة بمعناها العام المرتبطة بالآثار والترفيه والمسرح والفنون والموسيقى، لا سيما ما يخصّ تعقيدات ارتباطها السابق بالموقف الديني المتشدّد حيال الحداثة والتجديد التي كانت متبناة من رموز تيار الصحوة.
واليوم، ومع حزمة كبيرة من التغييرات السيادية التي تقوم بها السعودية أصبحت صور الصراع بين الظلاميين والمجتمع جزءا من التاريخ الذي سيدرّس ذات يوم. فلقد أطلقت الرصاصة القاتلة في رأس تيار “الصحوة” وأصبح هذا الشبح الذي خيم على حياة الناس جزءا من الماضي.
في هذا الاستطلاع تتحدث نخبة من المثقفين السعوديين من كتّاب وأكاديميين ومبدعين محاولة لرصد تصوراتهم إزاء مشروع التحول الوطني في رؤية 2030، ومدى قدرة الرؤية على تخليق مناخٍ ثقافي جديد، يحوّل الماضي إلى مجرد شاهد قبر على مرحلة مرّت في تاريخ المملكة، وتتعامل مع الحاضر والمستقبل باعتباره الركيزة الحقيقة للتغيير.
فهل استشرف المثقفين السعوديين من خلال أعمالهم الكتابية والروائية والشعرية هذا التحوّل، وهل بشّروا به؟ وهل تحدثوا عن ضرورته؟ وكيف تمّ التعامل معه، وما هو دور المثقف -وفق ذلك كله- في هذه المرحلة الفاصلة من تاريخ السعودية الحديث؟ أسئلة كثيرة تواجه المثقف السعودي، وربما لا تبحث عن أجوبة بقدر بحثها عن تأصيل للحالة ووعي بالمرحلة الراهنة.
أشجان الهندي: تفاؤل
أستاذة الأدب والنقد الحديث المشارك في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، الشاعرة أشجان هندي ترى أنه من ضمن الجوانب المهمة التي شملها برنامج التحول الوطني الجانب الثقافي والفكري والتعليمي والاجتماعي، بالإضافة إلى الجوانب الاقتصادية والسياسية والتنموية الأخرى. تقول “لقد شكّلت رؤية 2030 مناخات جديدة للإنتاج العلمي والأكاديمي؛ فدعمت البحث العلمي في الجامعات وأكّدت على أهميته، كما أكّدت على دور الجامعة في خدمة المجتمع″.
من جهة أخرى -والكلام ما زال لأشجان- أوجدت برامج التطوّع الاجتماعي المختلفة التي يتسابق إليها الشباب خاصةً، من الجنسين، مدركين أهميتها في بناء الفرد المتطوّع نفسه، فضلا عن بناء المجتمع، وأصبحت ساعات العمل في هذه البرامج تُحسب ضمن الخبرات المُكتسبة في السيرة الذاتية للمتقدّمين إلى مجال التوظيف.
وتضيف هندي “إلى جانب اهتمام هذه الرؤية بالثقافة بمعناها العام، وبالفكر والأدب والفن على نحو خاص، بدءا من التأليف وحريّة الإبداع، ومرورا بتعزيز دور وأداء الصحف والمجلات الورقية والإلكترونية، ومعارض الكتب والاحتفاليات الثقافية المتعددة، والأندية الأدبية وجمعيات الثقافة والفنون، بالإضافة إلى العناية بالفنون، والمسرح خاصة، بوصفه أحد أهم تجليّات الإبداع الإنساني الرائدة قديما وحديثا. مؤكدة في كل ذلك على دور الفكر والأدب والفن في بناء المجتمعات ونمائها، وتشكُّل إنسانها ضمن منظومة عالمية كبرى؛ يُحافظ ضمن إطارها على هويته، ويتفاعل في الوقت ذاته، إيجابيًا، مع الثقافات المتعددة الأخرى؛ بعيدا عن (أُحاديّة) التفكير ومحدوديّة الرؤية، وبعيدا، في الوقت ذاته، عن الانسلاخ التام عن (الأنا)، والذوبان الكامل في (الآخر)”.
وتؤكد هندي أن رؤية 2030 أنتجت تطلعات جديدة ومُلهِمة أثرت الثقافة، وأثّرت في فكر الأدباء والفنانين، ودعمت إنتاجية الأدب والفن ضمن برامج وفعاليات ذات طابع استراتيجي ونظرة واعية تركز على بناء الإنسان صانع الفكر والأدب والفن. وهذا ما حدث، ويحدث في ما تشهده المملكة من مناخات جديدة تعيد للأدب وللموسيقى وللفن بأنواعه ملامح غابت أو غُيّبت خلال فترة زمنية مضت، حتى ظننا أنها لن تعود.
ويتواصل إنتاج هذه الروافد المهمة، اليوم، ضمن مساحات حرّة ومسؤولة ونقيّة، تُعلي من شأن الكلمة، وتُدرك تأثيرها الفاعل في صياغة الوعي، ودورها في بناء المجتمعات الإنسانية.
وبصورة متفائلة تخلص أشجان الهندي في مداخلتها إلى أن الفكر والأدب والفن مرّ في المملكة بفترات ضاقت عليه فيها السُّبل، ولكن إنتاجه لم يتوقف، بل استمر مُبشّرا بالغد الأجمل الذي بدأ يعيشه اليوم، ومستشرفا إيّاه من خلال أعمال الأدباء والكتّاب والفنانين، ومتفائلا برؤية شجاعة وخلاّقة وقرار حكيم يُنعش الهواء المحيط بالفكر والتأليف. رؤية 2030 أعادت الأكسجين إلى مجرى نَفَس الفكر والأدب والفن والإبداع بكل أنواعه.
محمد ربيع الغامدي: بوادر وعي جماهيري
القاصّ محمد ربيع الغامدي يرى أن التشدّد الذي اجتاح المملكة خلال عقود مضت ما هو إلا خميرة بُذرت بيد عجّان ماكر، بذرها في العالم الإسلامي كلّه، وفي هوامشه الممتدة في القارات كافّة. ويشير الغامدي إلى أن “التشدّد تفاوت في تأثيره من مجتمع إلى آخر بحسب ظروف تفاوتت هي بدورها. ويعتقد أن التشدد نشأ وترعرع في البلاد في ظل طبيعة المجتمع المتدين، بالإضافة إلى استغلال القضيتين الفلسطينية والأفغانية، وكذلك وجود تقنيات تواصل جديدة، مثل: أشرطة الكاسيت والإنترنت التي احتضنت التشدّد عبر مواقع ومنتديات لعبت دورا خطيرا في توسيع نشاطه الذي اعتمد مهاجمة الفنون والعلوم والحداثة الأدبية وشتى ألوان الفرح العام، كما تعمّد نشر الطائفية البغيضة التي تفرق بين أبناء البيت الواحد”.
يضيف الغامدي “أول بوادر الوعي الجماهيري بدأ بعد انكشاف المجاهدين بدخولهم في صراعات بينية أحدثت ردة فعل عند بعض المتأثرين بالجهاد وكراماته، ثم توالت الأحداث المشبوهة: 11 سبتمبر وغوانتنامو والتفجيرات المحليّة وداعش لتخلق تلك الأحداث مراجعات عميقة عند العامة والخاصة، وما تلا ذلك من وقفة قوية قادها العاهل السعودي الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، وبين هذا وذاك كانت للعموم ملاحظات على بعض منظّري الصحوة مثل الذي كان يزيّن لأبناء الناس حب الجهاد ويحذر أولاده من مغبته، أو ذلك الذي يبكي بكاء مرّا بعد كل وجبة ألعاب نارية تتخلل أفراحنا، وفي اليوم التالي يتفرج جذلان على وجبة مشابهة في بلد ترعاه وترعى عموم العجّانين أمثاله”.
ويضيف “في عهد الملك سلمان اجتمعت مظلات ثلاث: الأولى خبرة قائد لم يغادر خندق الدفاع عن الوطن مذ نعومة أظفاره، عاصر الأحداث الجسام في الداخل والخارج وساهم في قيادة السفينة مضطربا كان البحر أم آمنا. والمظلة الثانية همة وليّ عهد يرى ببصيرة الشباب ويتصرّف بوعيه. والثالثة مجال معاينة أكثر وضوحا وأكثر اتساعا وأبعد مدى بعد أن تكشّفت الحقائق من حولنا وبان المستور.
تحت تلك المظلات الثلاث كانت الرؤية 2030 تستشرف المستقبل وتدرك الحاضر، توفرت لها معلومات التاريخ وحقائق الجغرافية وأصالة شعب ووعي مثقف فانطلقت تُعيد ترتيب المسار، الخلاص من تلك الخميرة التي كادت أن تمتصّ اخضرار مروجنا، مواجهة الفساد الذي كاد أن يسحق عظامنا، تأمين المستقبل الذي لا تنضب موارده. والخلاص والمواجه والتأمين لا بد أن تنهض على أكتاف وعي جديد، والوعي الجديد يتطلّب بنية ثقافية صحية، وهي البنية التي نراها تتسامى وترتفع يوما بعد يوم، تتخلّق شامخة أمام أعيننا”.
ميساء الخواجا: أحلام معطّلة
من جهتها ترى أستاذة الأدب الحديث بجامعة الملك سعود الناقدة ميساء الخواجا أن المملكة تمرّ حالياً بمجموعة من المتغيرات، هي تحولات تمس كل بِنى المجتمع على اختلافاته، وتشير إلى أن التحول الثقافي والفكري هو أهم التحولات التي يمكن أن تشمل البنى العميقة للمجتمع، ويمكن أن تشكّل تغيّرات جوهرية في مستقبله، ومستقبل الأجيال القادمة.
تقول الخواجا “أي تغيّر حقيقي ينبغي أن يتم بمعزل عن التطرّف بمختلف أشكاله، ذلك التطرّف الذي يحاول الأمير محمد بن سلمان محاربته بشتى الطرق، وفي الوقت نفسه لا يمكن أن يتمّ بإقصاء أركان أساسية في المجتمع؛ المرأة والشباب. وحين نرى بواكير التحوّل والحماس للتغيير فيجب أن يتم ذلك بخطوات مدروسة، وبعمل مؤسسي جماعي، فالإشكالية تكمُن في أن المؤسسات الثقافية تعمل كل منها بمعزل عن الأخرى، فجمعيات الثقافة والفنون لها مشاريعها التي تسير بعيدا عن مشاريع الأندية الأدبية، وهكذا. وهنا، يكمن دور الهيئة العليا للثقافة التي ينبغي أن تمدّ لها جسورا في كل المؤسسات الثقافية ليكون دورها -كمؤسسة عليا- إقامة نوع من التوازن، وفتح الآفاق للرؤى المختلفة، والتجارب الجديدة”.
وتضيف “التغيير ليس فقط في إقامة مناشط ترفيهية، بل في وضع رؤى وخطط مستقبلية مدروسة، يتم فيها بناء جيل واعٍ منفتح على الآخر وعلى الرأي المضاد، وذلك بدءاً من مناهج التعليم الأولية التي تحتاج إلى السماح بتعليم الفلسفة والموسيقى، وإعادة اختيار ما يدرس فيها من نماذج أدبية”.
وتؤكد الخواجا على ضرورة وجود المرأة كعضو فاعل ومنتج، ودخولها إلى مراكز القيادة، بالإضافة إلى خبرات الشباب التي تحتاج المؤسسة الثقافية إلى الالتفات إليهم. تقول “المسرح والموسيقى والسينما، إضافة إلى الندوات والمحاضرات والأمسيات الشعرية، كلها عوالم يمكن أن تحقق تغييرا حقيقيا في بنية المجتمع وفكره، لكنها لا يمكن أن تسير بطريقة عشوائية. فإن استندت المؤسسات على رؤية 2030 التي فتحت الأبواب على كل إبداع، فلا بد أن تستند أيضاً إلى وعي حقيقي وإرادة ورؤية واضحة، فدون رؤية، ودون تخطيط، ودون عمل منهجي، يمكن للرؤى الكبيرة أن تظل أحلاماً معطّلة”.
محمد الدخيل: وقت العمل
الكاتب محمد الدخيل، المشغول بتتبّع الفلسفة والتاريخ، يرى أنه “في منتصف الثمانينات من القرن الماضي، صدر الكتاب الشهير لعوض القرني ‘الحداثة في ميزان الإسلام’، والذي قدّم له مفتي المملكة آنذاك متبنيّا ما ورد فيه، ليسهم ذلك الكتاب في خلق صورة زائفة وظالمة لدى الإنسان العادي عن أدباء الحداثة في المملكة وخارجها -في بيئة ترتاب أساسا بالمثقف- بأنهم كائنات مختلفة، ساقطة أخلاقيا ودينيا واجتماعيا، وقدّم مادة استند إليها كثيرٌ من خطباء المساجد للحديث عن هؤلاء بشكل يعزلهم عن المجتمع، ويكفرهم، ويسهل أمر استهدافهم، وهو ما سبّب تاليا حصارا قاسيا لكثير منهم لم يستطيعوا الخروج منه إلا منذ وقت قريب”.
ويتابع “حين ننظر الآن أين يقف هؤلاء الأدباء، وأين يقف مؤلف الكتاب، نشعر أن قيم الحق والخير والجمال لا بد أن تنتصر في النهاية مهما تأخّر هذا الانتصار. كان صدور ذلك الكتاب في عزّ الفترة التي سميت ‘الصحوة’، والتي كان الوضع قبلها مختلفا عما كان يحدث خلالها من ملاحقة ومصادرة لكل نشاط إنساني أدبي وفني خارجها، يمكن أن ينافسها أو يحد من انتشارها كأيديولوجيا يريد لها أصحابها أن تسيطر على العقول والقلوب، وتسيِّر البشر أتباعا مستلبين لها، يساهمون في نشر سيطرتها النهائية على المجتمع. قبل الصحوة كانت هناك مساحة لا بأس بها، متاحة للفنون، وأوجه النشاط الإنساني المختلفة، للتعبير عن ذاتها ولتفاعل الناس معها. أما بعدها فلم يبق ظاهرا إلا الخطاب الديني الذي يمثل أيديولوجيتها، في حين توارى كل شيء إلى الخلف”.
وعن وضع المملكة الحالي يقول الدخيل “الآن، ومع حديث صاحب الرؤية 2030 الأمير محمد بن سلمان الحاسم والقاطع بأننا سنطارد الفكر المتطرّف، ونقضي عليه تماما، إذ لا خيار للبلد لينمو، ويصبح كيانا طبيعيا إلا بذلك، بدأنا نشاهد براعم متنوعة وجديدة للحياة والثقافة والفن تنمو وتدبّ فيها الحياة (سينما، موسيقى، غناء، أدب، رسم، إلخ)، ولسنا الآن إلا في مرحلة البداية لنموّ كل تلك الأشياء بشكل طبيعي، لكن الأهم في ما يحدث هو تغير العقول وانتقالها إلى مرحلة فكرية جديدة ومنفتحة، إذ كل شيء سيأتي لاحقا. وأنا متفائل كثيرا بما سيأتي لاحقا. متفائل بما يكتنزه أبناء هذه البلاد من مواهب وقدرات وإمكانات تحتاج فقط إلى الوقت والجو والبيئة الصحية لتنمو وتزهر وتعبّر عن روح إنسان هذه الأرض. وأرى أنّ الكثير من المثقفين يملكون مثل هذا الشعور ويعبرون عنه باستمرار. فالجميع يدرك الآن أنه وقت العمل”.
عمر الفوزان: زمن ما بعد النفط
الكاتب عمر فوزان الفوزان يرى أن لا نهضة حقيقية من دون ثقافة علمية، وهذا ما تقوله الدراسات العلمية العصرية التي لا يمكن أن نتجاوزها، وذلك وفق خطط التجديد والتحديث والتغيير التي تنهض بالدول إلى مصافّ العالم الحضاري الصناعي المتقدّم. الرؤية أسّست لخطة استراتيجية لزمن ما بعد النفط، والتحوّل من وطن ريعي لوطن منتج، ورغم أهميتها إلا أن هنالك عوائق، تستطيع الإرادة السياسة الصادقة للنظام السياسي بالوطن تذويبها، وبالتالي سوف تتحقق هذه الرؤية وفق نتائج عالية.
ويوضّح الفوزان أن هذه العوائق تتمثّل في مستوى الإيرادات المالية السنوي، ومخاطر الاقتراض الدولي، وصعوبة القضاء التام على الفساد، ومشاكل البيروقراطية، والمشاركة الشعبية الفعّالة، وهيكل العمالة المحلية والأجنبية، والإتقان الحكومي، وتعويض الطبقات المتضرّرة من رفع الفواتير والضرائب، وكفاية الخبرة بتجارب الخصخصة، والحد من هيمنة رجال الأعمال على الاقتصاد، والوصاية الدوغمائية على المرأة والثقافة.
لكن الفوزان يعتقد أن “هذه المعوقات مجرد افتراضات أثبتت الأيام أنها لن تقف في طريق الرؤية، وسوف تحقق كل أهدافها بفعل الإرادة السياسية الجادة الصادقة، ففي شؤون المرأة صدرت العديد من القرارات لصالحها، وتم تسكيت كل الأصوات التي لا ترى المرأة إلا مجرد عبدة بيتية، حيث ترى هذه الأصوات أنه ليس من حقها المشاركة جنبا إلى جنب مع الرجل في النهوض والرقي بالوطن، فخطة الدولة مبنية على إزالة كل العوائق التي تقف كحجر عثرة، ومسيرة الإصلاح تسير وفق ما خطط لها، فلا يخلو أي عمل من معوقات، ولكن لا يجب الرضوخ لها، بل يجب دراستها دراسة علمية وإيجاد السبل لإزالتها، فالإصلاح هو من يرقى بالأمم، والأمم التي تخضع الثبات مكانها ستبقى في مؤخرة الأمم بكل شيء ومن يرتهن للمعوقات في وطنه لن ينهض ولن ينتج المستقبل، بناء الإنسان هو الركيزة الأساسية.
مها الجهني: انحسار التشدد
عن الواقع الثقافي السعودي واستشرافها للمرحلة القادمة في ظل انحسار التيار المتشدد في المملكة، تقول الروائية مها الجهني “حين تتحوّل الثقافة إلى ضرورة حياتية يسعى من أجلها الجميع ربما تصل الثقافة إلى صنع تحولات وطنية تقوم بالتغيير على جميع المستويات، ومنها وضع المرأة التي كانت ومازالت أسيرة مجتمع يقصيها ويحصر دورها بالمنزل. الثقافة هي معول لهدم المهلهل والمتخلف من النظريات والأفكار. وهي يدٌ تبني الأفكار الجديدة والتغييرات المسؤولة عن تقدّم المجتمع وأنظمته. وحين تقبل الثقافة بتعدد الأصوات واختلافها، وتجعل الحرية حقا للجميع سيشارك المجتمع لا محالة في صنع التغيير الذي يعيد بناء المجتمع وتشكيل إنسانه”.
وتشير الجهني إلى أن “التحولات الوطنية التي تشهدها السعودية الجديدة لامست المرأة لأوّل مرّة في تاريخها، وجعلت مساحة الحلم ممكنة نحو التغيير. حيث لأوّل مرّة توقّف إقصاء المرأة، ووُعِدَت بأن تكون مشاركة حقيقية وفاعلة في القادم من الأيام”. وتقول “ربما تكون الخطوات بطيئة ومتأخرة لكنها تعد بالأفضل بلا شك. وآمل ألّا يكون التغيير من الخارج فقط، فتغيير الأفكار، وتعليم الإنسان وتثقيفه قبلا هي أساس نجاح التحوّلات الحقيقية، وإلا فإنّها ستكون مخاطرة تلقي بنا في منتصف العاصفة. لذا فالثقافة في هذه المرحلة مطلب أساسي لصنع التغيير الذي يطمح له الوطن”.
رحاب أبوزيد: الخروج من الصندوق
تقول الروائية رحاب أبوزيد “اعتدنا أن المسافة شاسعة وقائظة بين ما حققناه كنساء وبين ما نطمح إليه/ وما نستحقه، ولا أود التوغل في تفاصيل ما فاتتنا ممارسته بسبب التشدد الديني والمواقف العنيفة من التجدد ومن أي تقدم نهضوي تقوده سيدات مميزات، وبالتالي تم تلغيم المنطقة بمعوّقات تفجر أي مسودة لمشروع نسائي حقيقي، وعندما أقول مشروعا فإني أقصد أسماء وتشريعات وأفكارا وأنظمة، التحولات الوطنية الراهنة ضمن رؤية المملكة 2030 تتولى زمام القفزة التي ستختصر الزمن وتكرّس الجهود والميزانيات لملامسة تطلعات المستقبل. يبقى الحدس وحده ذخيرة الكاتب والراصد بعين ثاقبة لمعطيات الأحداث، ومن مكتسبات هذا الجيل تمتعه بروح لا تُهزم ولا تُهرم، جميع الطرق في تصاعد يؤدي إلى حتمية التفوق على الوقت وتجاوز التفكير داخل الصندوق”.
الكاتب ماجد سليمان: الحرية المتعقلة
يرى الكاتب ماجد سليمان أنه بعد رؤية 2030 استعادت الفنون عافيتها، يقول “المشهد الثقافي بعد رؤية 2030 مُنح الحلم الذي ظن كل الظن أنه سيموت دون رؤيته، فالخطابات والتيارات المتشددة- أيا كانت ملامحها- نحن اليوم نتعافى من أمراضها التي عانيناها عقودا. ولم تعد هناك شوائب تربك المشهد الثقافي، بل نحن في مساحة هائلة من الحرية (الحرية المتعقّلة) لا المتفلّتة”.
أحمد الدويحي: تيار الغفلة
يؤكد الروائي أحمد الدويحي بأن تيار الصحوة عطل الحياة وشوهها، ويراه بأنه لم يكن صحوة بل كان غفلة، حيث استبد بمفاصل المجتمع وفرض سطوته، وتفرد بنشر أدبيات فكره ونزعاته المتخلفة، والاستعداء على شرائح المجتمع الأخرى.
يقول في هذا الشأن “مارس هذا التيار نشاطه عبر منابره ضد الفنون والمرأة والفلسفة والحياة بعمومها، ولا شك أن رموز الحداثة والشرائح المجتمعية الأخرى واجهت حروبا قذرة وشرسة وقاسية جدا من هذا التيار الاستبدادي، لقد تمكن عبر عقود من الإخلال بتركيبة المجتمع، ولعل من يعرف المجتمع الجنوبي الذي أنتمي إليه، يدرك فداحة عبث هذا التيار والقضاء على روح التسامح فيه؛ غيّب المرأة وألغى مظاهر الفرح ونبذ كل ما هو جميل ومبهج في المجتمع، وقد يتم القياس على كل مجتمعات الوطن، وخطوة الدولة الأخيرة خلقت فينا الأمل من جديد بواقع يرنو لحياة طبيعية، لكن لا شك بأنه يخطئ كل من يظن أنه تمّ اجتثاث هذا الفكر المتسلط نهائيا، وقد ترسخ وعاث فينا عبر عقود، فمازال موجودا ومتخفيا، وفي كل بيت نماذج منه”.
وعن تحولات الواقع السعودي المفصلية ومدى قدرة المثقفين على استشرافه في الفترة الراهنة، يقول: الشعب كله -وليس المثقف وحده- يتوسم أن يكون العهد الراهن عهد خير ونماء، ويشهد تحولات مفصلية في التاريخ السعودي المعاصر، لا شك أن هناك تراكمات أفضت إلى ما نحن فيه، وفرضت سرعة التغيير الإيجابي المهم، وندرك كمواطنين ومثقفين ضرورة وقيمة خطوات التحولات وأبعادها داخليا وخارجيا، فالوطن فوق التجزيئيات الضيقة، ونحن نشهد ما يحدث حولنا، وبالذات في العالم العربي، ووطن بحجم بلادنا وقيمته وتاريخه وخيراته جدير بأن يسكن الأحداق والقلوب”.
عبدالعزيز الشريف: تحرير المجتمع
يشير الشاعر عبدالعزيز الشريف إلى أنه مثله مثل غيره من أبناء جيله من المثقفين الذين اكتووا بنار الصحوة وظلامها. يقول “أختلف مع أولئك الذين يطلقون عليها مسمى ‘الصحوة’ بل إنها مرحلة ‘الظُلمة’ مرحلة اختطاف المجتمع إلى مجاهل الظلام من ‘الإخونجية’ ثم ‘السرورية’ في ما بعد، وفي غفلة من التاريخ تسربوا لحياتنا السوية وإلى مجتمع رائد في كل المجالات؛ ففي مرحلة السبعينات والثمانينات من القرن الماضي سيطروا على مفاصل التعليم بكل مراحله فأحكموا الطوق حوله ثم اختطفوه فكان ما كان من نتاج للفكر الإرهابي المتطرف والعنف بسبب ‘فكر’ ‘القطبية’ الذي أنتج السرورية التي هي ركن مهم من الفكر الجهادي العنيف والذي أطلق عليه في ما بعد ‘الصحوة’ التي اعتسفت المجتمع إلى عداء مع الدنيا بدين جديد ومبادئ وتعاليم المرشد التكفيرية”.
ويتابع في الشأن ذاته “لقد كنا أسوياء كأي مجتمع معتدل خلق على الفطرة الإنسانية كما أراد الرب لنا ولكنهم ضيقوا الخناق اجتماعياً، واحتلت مفاصل الوطن من هذه الفئة وانتكس المجتمع الرائد المتحضر وعاد الى الظلام بخطى متسارعة بدل المضي قدما لركب الإنسانية المستنير، وأصبحنا نبحث عن وطن نهجس به وأعراف وتقاليد تروى من الآباء للأبناء أن تراب هذا الوطن الجميل اختطف وغيّبت أشياؤنا الجميلة بسبب هذا التيار البغيض. والآن عدنا ليكتشف النشء الشاب أن هناك دينا ووطنا وامرأة ومبادئ وقيما وأخلاقا وتاريخا وحضارة وتفاعلا حضاريا مع العالم من حولنا، وأننا لسنا وحدنا في هذا الكون الجميل وأن فيه ما يبهج. الآن دعونا ننس ‘مرحلة الظلام الإخونجية’ دعونا نقذفها في أتون اللعنات، ونستقبل عالمنا الجديد بالفرح والتفاؤل والأمل والثقة بالنفس، ونقف سويا نرد تحية العالم المدني المستنير من حولنا بتحية حضارية أجمل منها، وأن نترحم على شهداء مرحلة ‘الظلام’ الذين قضوا وهم يرفعون في يد نورا وفي الأخرى زهرة للحياة”.
علي الحازمي: إرادة التغيير
الشاعر علي الحازمي اشاعر “الآن نحن أمام جيل شاب وإرادة حقيقية في التغيير للأفضل، جيل متعطش يود أن يعيش ويلمس كل تلك التغييرات التي يستطيع معها أن يحقق ذاته ويسهم في بناء وطنه، إصلاحات يستطيع أن يتفاعل معها، وتشعره في الوقت ذاته بأنه جزء مهم من منظومة هذا العالم، كل هذا يجعلنا بلا شك نشعر بالكثير من التفاؤل والأمل ونمضي للمستقبل بثقة واعتداد كبيرين”.
طلق المرزوقي: تجاوز الإرباك
يقول القاص طلق المرزوقي “لا شك أن الصحوة مثلت حالة من الإرباك في مسار المجتمع بسبب تركيزها على لون واحد من الفهم، خاصة في خطاب الدين، ولعل خطاب سمو ولي العهد الأخير دليل على أن ثمة قرارا يمكن أن يساعد المجتمع والدولة في تجاوز تلك اللحظة التي عصفت بالمجتمع″.
أحمد الملا: عراب السينما
يعتبر عراب السينما السعودية الشاعر أحمد الملا أن رؤية 2030 كانت طوق النجاة بالنسبة لتجربة وحركة صناعة الأفلام في السعودية، حيث كانت صناعة الأفلام في عنق الزجاجة، أو بالأحرى كانت في نهاية مطاف المرحلة الأولى التي كانت يعمل بها كأفلام مستقلة وبجهود فردية وذاتية. يقول الملا “أتت الرؤية وفتحت الآفاق أمام صناعة السينما السعودية والتي على إثرها تشكلت هيئة الثقافة ومجلس الأفلام السعودي، وكذلك وزارة مستقلة للثقافة مما فتح الآفاق أمام صناعة أفلام أن تتقدّم على تجاربها السابقة في حركات الأفلام السعودية”.
ويتابع الملا “المؤمل والمرتجى أن تكون هنالك الخطط التي بدأت سعيها حثيثا من هيئة الثقافة والوزارة، وكذلك من مؤسسات المجتمع المدني، مثل مركز الملك عبدالعزيز الثقافي (إثراء)، والذي كان سباقا في عمل أول برامج الدعم لصناديق الأفلام التي تقطع الآن المرحلة الثانية في 2018، وهنالك آمال معقودة على تطور الحركة السينمائية في السعودية، خاصة أن الخطط التي قرأنا الإعلان عنها تشير إلى وجود صالات ثقافية لعروض الأفلام السينمائية الجادة إلى جانب الصالات التجارية، وكذلك صناديق دعم أخرى من هيئة الثقافة، ومن وزارة الثقافة، ومن صناديق تجارية تهدف لتمويل صناعة الأفلام، إضافة إلى الإعلان عن وجود أكاديمية للفنون والتدريب المستمر الذي بدأ منذ فترة بسيطة لصناع الأفلام. وممّا نراه أن هناك خطوة متقدمة عمّا كانت عليه، ونتمنى المزيد من الخطوات في المرحلة القادمة”.
ويختتم الملا مداخلته بالقول “إن جمعية الثقافة والفنون بالدمام كان على كاهلها في السنوات السابقة الاستمرار في دعم وتنظيم مهرجان أفلام السعودية، وهو المهرجان الوحيد، الذي تعمل الجمعية الآن على إصدار نسخته الخامسة، والذي كان أشبه ما يكون بالمنصة الوحيدة التي يعرض فيها صناع الأفلام السعوديون أفلامهم من خلالها في داخل السعودية”.
محمد الفرج: أعمال غير رسمية
يأمل المخرج السينمائي محمد الفرج أن يتم الدعم الحكومي -المنبثق من الرؤية- عبر التركيز على صناديق الدعم المهتمة بالأعمال غير الرسمية، بحيث تأخذ من الثقافة المحلية، وتركز عليها. يقول “لا بد من الاهتمام بالأعمال غير الرسمية، وذلك بحكم أن الفنان ينحدر بالضرورة من سياق تاريخي منتم للأرض التي يعيش عليها بعيدا عن مسماها وحدودها الجغرافية، حيث أن وظيفة الفنان وضع هذه الثقافة التي ينتمي إليها تحت المجهر، بهدف تشريحها، وبهدف وضع المجتمع أمام المرآة على مستوى الأدب والشعر والسينما والفنون”.
ويرجو الفرج أن تكون الرؤية داعمة لصناعة الفن لأجل الفن لا لشيء آخر خالقة بذلك مساحة حرة للعمل ذي الهوية الكونية المنفتحة على سياقات الذات والآخر، خارجة من قوقعة الذات ناحية الكون كله.
ويضيف الفرج “يجب أن تكون صناديق الدعم المنبثقة من الرؤية مستقلة، غير ملزمة للفنانين بنوعية الاشتغال وموضوعاته، ولو اضطرت لتحديد موضوعات فلا بأس بالموضوعات والاشتغالات التي لم يتم الاقتراب منها من قبل. وعلى المستوى الشخصي، يشغلني كثيرا جيولوجيا المكان وتضاريس الوطن، وسردية المكان من خلال جغرافيته، حيث أنه لم يتم التطرّق له والعمل عليه من قبل، وذلك بسبب عدم وجود المعلومات والبيانات الكافية. فلو أتى صندوق دعم ضمن مشروع الرؤية يقترح تقديم دعمه للفنانين الذين يشتغلون في هذه المنطقة فسيكون أمرا رائعا، بحيث يتيح للفنان التعاون مع الأكاديميين المتخصصين، ويخرجون بعمل فني ضخم، يقدم بعدا جديدا للعمل الفني”.
سوزان عبدالله: عين الأنثى
على خلاف النظرة السائدة تقف الفنانة الفوتوغرافية سوزان عبدالله في منطقة مغايرة، حيث لا ترى أن الرؤية قدّمت ما كان متوقعا منها للمصورات السعوديات. تقول “كل المجهود الفني يقع على عاتق المصورات اللاتي يعملن بجد في سبيل التغيير وإحداث الفرق سنة بعد أخرى”.
وتشير سوزان إلى أن الجهات الداعمة للمصورات والفنانات في حالة تضاؤل مستمرة خلال السنوات الماضية، ولا توجد أمكنة وصالات مخصصة للعروض الفنية، حيث أن صالات العرض الحالية لا تكفي.
وأوضحت في حديثها بأن المجتمع السعودي بدأ يتقبل حضور المصورات في الميدان وفي الشارع وفي أماكن الحدث الفني أو الثقافي أو الصحافي أو الترفيهي.
وتأمل أن تساهم الرؤية في تسهيل الحصول على الموافقات والتصريحات اللازمة لعمل المعارض الشخصية والعامة للفنانين، وأن تدعم إقامة الدورات والورش المتخصصة لهم وذلك عبر إنشاء مركز ثقافي يشمل جميع الفنون، بحيث يوحد الأعمال وتكون فيه الإدارة والمدربون والمدربات من ذوي الخبرة والاختصاص. هذا ما نأمله ونرجوه في رؤية 2030.
يثرب الصدير: وعود الوزارة
المشرفة على لجنة الفنون التشكيلية والخط العربي بجمعية الثقافة والفنون بالدمام الفنانة يثرب الصدير تؤكد على أن الأمل الكبير الذي يضعه الفنانون التشكيليون نصب أعينهم أضحى مضاعفا بعد إعلان الرؤية التي كان دعم الفنون ضمن قواعد محركاتها الرئيسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية بالمنطقة.
تقول الصدير “تثقل كفتا الميزان بالمقارنة بين ما حدث وما سيحدث، وبمقدار الآمال الكبيرة تأتي التطلعات الضخمة التي يعول عليها كقاعدة وأساس يستطيع الفنان من خلالهما الوقوف على أرض صلبة يثق من خلالها بأهمية وتقدير ما يقدمه، بالإضافة إلى وجود بوصلة ثابتة يحدد من خلالها اتجاهاته بشكل صحيح وثابت”.
وتضيف “هنالك محاولات حثيثة لإزالة التشتت السابق والذي مازالت آثاره جلية، لكنها أصبحت باهتة وغير واضحة رغم وعود الوزارة التي عوّل عليها الفنانون كثيرا حال الإعلان عن تأسيسها كونها وزارة متخصصة بدعم الثقافة، فالعديد من المنشآت تم الإعلان عن تنفيذها مثل الأكاديميات الخاصة ومجمع الفنون والعديد من المتاحف، بالإضافة إلى الاهتمام الملحوظ بآثار المملكة وتراثها العريق، وحضارتها الغنية التي ظلت مهملة لسنوات عديدة. تبقى بعدها تطلعات الفنان بأن يستطيع كل فرد الاستفادة منها في حال تنفيذها، وتبقى أيضا تلك المعادلة الصعبة في الموازنة بين الأجيال التي وضعت حجر الأساس وبين الأجيال الجديدة بتنوعها واتجاهاتها المختلفة، والتي يحكمها الذوق والميول العامة وثقافة كل منطقة. وأيضا من وجهة نظر شخصية أعتقد أن وجود دور متخصصة للمزادات الفنية سيرفع جدا من مستوى الفن وسيجعله من الوجهات الاقتصادية المهمة، بالإضافة إلى كونها ستحد من أمور عديدة مازالت تتخذ طابعا عشوائيا وغير مستقر”.
نايف البقمي: قاعات المسرح
يقول المسرحي نايف البقمي “المسرح منذ نشأته في السعودية وهو يعيش حالة من التخبط في الناحية التنظيمية، أي أنه لم تكن هنالك مؤسسات واضحة تدير المسرح بالشكل الجيد، نعم، هناك إدارة، لكنها لم تكن قائمة بالشكل التنظيمي المؤسساتي الثقافي المعروف. وفي ظل التغيرات الحاصلة الآن، نحن متفائلون بشكل كبير على المستوى الثقافي العام، وليس فقط على مستوى المسرح. وأتوقع من خلال ورشتين عقدناهما في وزارة الثقافة مؤخرا أن هنالك اهتماما كبيرا في قطاع المسرح، ووضعه في المسار الصحيح”.
ويضيف البقمي “نتطلع مستقبلا لوجود قاعات مسرحية في كل مناطق المملكة، وأن تشكل تنظيمات مؤسساتية تحفظ للمسرحيين حقوقهم وتصنيفهم، وكذلك وضع تنظيم للفرق الأهلية، ولمؤسسات الإنتاج التي تعمل في مجال المسرح حتى يكون هنالك نوع التنظيم الحقيقي في المسرح بالمملكة، أيضا الاهتمام بالمنتج المسرحي وترويجه بالشكل الجيد، وكذلك الاهتمام بالشباب، وهم الشريحة المهمة، حيث يجب جذبهم للمسرح، ومن المهم تسويق ثقافة شباك التذاكر والعروض المستمرة، بحيث يكون لدينا موسم مسرحي. هذا، ونتمنى أن يكون هنالك معهد للمسرح، وإدراجه ضمن مناهج التعليم العام أسوة بالتربية الفنية والرياضية، وكذلك وجود أقسام للمسرح في الجامعات. كل هذه الأمور ستحرك الوضع المسرحي في المملكة وتجعل منه أهم الروافد الثقافية ضمن رؤية 2030″.
ويتابع “في الحقيقة هنالك مسرحيون في المملكة سعوا من خلال حبهم للمسرح إلى تطوير أنفسهم، وطبعا لمسنا ذلك من خلال العديد من العروض المسرحية المقدمة داخل المملكة وخارجها، ولكن المهم الآن في الوقت الراهن أن يكون المسرح مشروعا للدولة، ويتم الاهتمام به، وأن يصنف ضمن الوظائف في وزارة الخدمة المدنية مثله مثل أي مهنة أخرى حتى نستطيع أن نقدم أعمالا مسرحية متطورة ومتقدمة ويكون هناك انشغال بالمسرح الحقيقي دون سواه. هذه الأمور هي تطلعات المسرحيين من خلال رؤية 2030، وهي رؤية عظيمة، وأتوقع بشكل كبير أن تكون هنالك نقلة على مستوى القطاع الثقافي، خصوصا بعد أن أصبحت للثقافة وزارة خاصة تهتم بشؤونها”.
عبدالله الدحيلان: الإعلام الجديد
عن الإعلام الجديد في زمن تحولات الرؤية 2030، يقول القاص والإعلامي عبدالله الدحيلان “مع الثورة التقنية وظهور وسائل التواصل الاجتماعي تحديدا، أصبح هناك انقلاب تام في هرم المركزية بالعالم، فمس هذا التغيير العرب وأثر بجوانب حياتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فأصبحنا أمام واقع جديد للمفاهيم والأفكار والقيم، فغُيّر بعضها كليا، أو تم حرفه عن معناه والمراد منه. وأمام هذه الموجة التي أعادت رسم خارطة التأثير والتأثر، تفاعل المجتمع المحلي مع ذلك؛ لما يملكه من قوة استهلاكية أخذت بالازدهار وسط منظومة عامة بطيئة التغيير، فكانت تلك الشبكات المتنفس الذي يمكن من خلاله التعبير عن الذات والأفكار. وبشكل مجمل تقسم الأطوار التي مر بها ما يعرف بـ’الإعلام الجديد’ في السعودية إلى: الصدمة، والبروز، وأخيرا الاحتواء.
وتكمن الصدمة في تلقى الوسيلة عبر التعاطي معها بسذاجة تارة، وتارة أخرى بعفوية من خلال اعتبارها منصات خارج نطاق التغطية الرسمية والاجتماعية. وما هي إلا سنوات قليلة حتى تمت غربلتها والعمل على ترميز سياسي واجتماعي وإعلامي لمجموعة محددة الصفات؛ بقصد الضبط وإحكام السيطرة، تمخض عنها حاليا احتواء رسمي للعديد من الشخصيات، وتوفير دعم رسمي لهم وجعلهم قنوات موثوقة في نشر الأخبار، وتمثيل الدعاية المضادة. وعليه، يلزم الفاعلون بالإعلام خلق طور جديد ملخصه: بعث الروح في المبادرات المحدودة للعمل ضمن نطاق المقبول لإيجاد خطاب إعلامي إيجابي المحتوى، يتمتع بالمرونة والمأسسة اللامركزية لغرس مفهوم المجتمع المدني ولبنته الافتراضية، لتحويلها لاحقا إلى أرض الواقع بما يتماشى مع خطط البلد المستقبلية”.
هواء طلق
مؤخرا، أسست السعودية رشا الحربي فريقا نسائيا رياضيا “Bliss Run” لممارسة رياضة الجري في الهواء الطلق بشوارع جدة أسبوعيا، اشتمل فريقها على المدربة منى شاهين والقائدتين مي أبوالفرج وعبير البيوك، وقد أثار هذا الفريق جدلا واسعا في حفيظة التيار المحافظ السعودي.
وفي حين كان الفريق -غير الربحي- يثق كثيرا في وعي المجتمع السعودي إلا أن الهجمة الشرسة التي تعرض لها كانت مفاجأة للكثيرات منهن. ورغم ذلك مازال الفريق مؤمنا بمشروعه الصحي والاجتماعي ضمن خطته الحالية والمستقبلية الذي سيدفع بنفسه لشراكات بينه وبين بعض الشركات الصحية والرياضية بهدف رفع الوعي الرياضي والصحي للمرأة السعودية. إن تحرر الجسد الجماعي للسعوديات والسعوديين من أغلال الفكر الرجعي وممارساته الإرهابية بإزاء المجتمع هو واحدة من العلامات الاساسية على عمق التحولات الاجتماعية والسياسية والثقافية التي تشهدها السعودية اليوم، وهي تحولات شاملة ستنعكس آثارها ليس فقط على جغرافيات الكيانات الخليجية التي ماتزال لم تنصت إلى حركة التاريخ، ولكنها ستطال المنطقة العربية بأسرها.