جورج غوسدورف والإنسان الرومنطيقي
هذا كتاب في الأدب، وأكثر من الأدب. وهو كتاب في الفلسفة، وأكثر من الفلسفة. إنّه جماع اختصاصات عديدة متنوّعة وملتقى مشاغل فكريّة وإبستيمولوجيّة وتاريخيّة وحضاريّة وميتافيزيقيّة وعلميّة شتّى يصل بينها التعريف بالإنسان الرومنطيقيّ وبناء معالم كيانه في مختلف أبعاده. وذلك ما جعل مدار هذا الكتاب على تقديم الأنتروبولوجيا الفلسفيّة الرومنطيقيّة التي تعيد توطين الإنسانيّ في الأرض والعالم، وتصالح الأنا باللاّوعي والميتافيزيقا وكلّ أشكال الخروج عن الوعي الواضح التي قمعها عصر الأنوار وطاردها وصولا إلى إقصاء الأنا ذاته وتحويله إلى قالب تجريديّ خاو من المعنى.
وينتمي كتاب الإنسان الرومنطيقيّ إلى مشروع فكري أكبر عكف جورج غوسدورف على تأليفه مدّة تزيد عن خمس وعشرين سنة (1966-1993) ووضع له عنوانا جامعا هو العلوم الإنسانيّة والفكر الغربي، واشتمل على ستة عشر مجلّدا كان فيها الإنسان الرومنطيقيّ المجلّد الحادي عشر والثالث بين ستة مجلّدات خصّصها غوسدورف للرومنطيقيّة وهي أسس المعرفة الرومنطيقيّة (1982) ومن العدم إلى الله في المعرفة الرومنطيقيّة (1983) والإنسان الرومنطيقيّ (1984) والمعرفة الرومنطيقيّة بالطبيعة (1985)، والرومنطيقية (مجلدان) (1993). ولعلّ في تعدّد مؤلّفات غوسدورف في الرومنطيقيّة واتصال أحدها بالأخرى تأكيدا لأهميّة الرومنطيقيّة ومحوريّة تأثيرها في مسار الفكر الغربيّ من جهة، وبرهانا من جهة أخرى على إلمام المؤلّف بكلّ دقائق المعرفة الرومنطيقيّة، فحقّ اعتباره أبرز المختصّين الفرنسيّين في الرومنطيقيّة، والرومنطيقيّة الألمانيّة على وجه التحديد. وعلى هذا النحو باتت كتبه الخمسة ولا سيّما الإنسان الرومنطيقيّ، مرجعا أساسيّا لا غنى عنه في دراسة الرومنطيقيّة. ونحسب أنّ ترجمته أخيرا إلى اللغة العربيّة قد جاءت لتسدّ حاجة أساسيّة لمن يروم دراسة الرومنطيقيّة العربيّة وتلزمه ضوابطُ البحث الأكاديميّ أن يعود إلى الأصول الرومنطيقيّة الأولى، ويتعرّف على المهاد الفلسفيّ والفكري الذي رافق نشأة الرومنطيقيّة وأحاط بظهورها البكر.
يشتمل الكتاب على ثلاثة أجزاء تتضافر في ما بينها لتقديم تحليل متكامل لمقوّمات الأنتروبولوجيا الرومنطيقيّة. وهذه الأقسام هي قيم وحالات نفسيّة، والكائن متجسّدا، وهومو رومنتيكوس. وقد ربطت بين فصول الكتاب جميعها فكرة محوريّة أساسيّة ظلّ المؤلّف يحتجّ عليها طيلة الكتاب، ومفادها أنّ الرومنطيقيّة هي مشروع أكثر منها إنجازا وتحقّقا، وأنّ التسمية الاصطلاحية أقلّ سعة بكثير من المسمّى. فالرومنطيقيّة أكبر بكثير من أن تكون مجرّد مدرسة أدبيّة أو فلسفيّة أو فنيّة. إنّها نمط حياة وحساسيّة، ومشروع لإعلاء حقيقة جديدة فرضت نفسها بقوّة على الفكر الغربيّ ودفعت الشعراء والروائييّن والرسّامين إلى الثورة على عصر الأنوار، وأعلنت غروب مبدأ السببيّة الغاليلي الذي قصر النظر في الطبيعة على العقل ورفض كلّ حقيقة لا تنتسب إلى العلم التجريبيّ ولا تتسلّح بأدوات العلم الموضوعيّة وأوّلها الانفصال بين العالم وموضوعه. أمّا الرومنطيقيّون فقد ألحوّا على أن نظرة العالِم إلى الطبيعة منضوية داخل الكون، ملتحمة بذات العالم، ومنتمية إلى واقع قائم في ما قبل الوعي وما بعده في الوقت نفسه. إنّ العالَم حسب الرومنطيقيّين موجود داخل الفكر، والفكرَ موجود داخل العالم. إنّ الفكر هو العالم في شكل إرادة، والعالم هو فكر متّسع ممتدّ في الأشياء والكائنات والبشر. ولذلك فإنّ العلم الرومنطيقيّ هو في جوهره ولادة معا. إنّه إبستيمولوجيا المعرفة الكليّة، إبستيمولوجيا الشكل العضوي والتماثل والتناغم.
وقد وظّف جورج غوسدورف ثقافته المذهلة في تنوّع مشاربها وتعدّد مصادرها، ليتتبّع في أناة وصبر عجيبين العواملَ الأولى وراء نشأة المعرفة الرومنطيقيّة وتطوّرها في سياق التاريخ، بدءا من العصور الضاربة في القدم المحايثة لميلاد الحضارة البشريّة، مرورا بالإغريق، فالعصور الوسطى، وصولا إلى العصور الحديثة. وما أشدّ تعجّب القارئ حين يجد المؤلّف يبرهن بشكل مبهر، الاتّصال الوطيد بين ظهور الرومنطيقيّة والحركيّة الكبيرة التي عرفتها العلوم الفيزيائيّة والكيميائيّة، وتطور البحوث في الكهرباء والتنويم المغناطيسيّ، والتيّارات الفكريّة الأخرويّة، وانبعاث الاهتمام بالسحر والشعوذة، والإقبال على التراث الشرقيّ، والولع بالفكر الصوفيّ، والوله بالماورائيّات.
إنّ هذه المعارف والنوازع والمشاغل تلتقي مع الرومنطيقيّة في السعي إلى الانعتاق من إمبرياليّة النزعة الذهنويّة التي هيمنت في عصر الأنوار واختزلت الإنسان في جانبه العقلاني وطمحت إلى قتل الفردانيّة من أجل نحت معالم إنسان كونيّ، هو المواطن العالميّ “السليم” من كلّ جنون وعمق وجذور وذاكرة… المواطن الذي تخلّى عن الأنا.
عل العكس من ذلك جاءت الرومنطيقيّة تبشّر بأنتروبولوجيا مغايرة تعلي من شأن تعدّد أبعاد الكيان الإنسانيّ وتنوّعها وانصهارها ضمن وحدة كونيّة كليّة. إنّ المعرفة الرومنطيقيّة لا تسعى كما قد يتوهم البعض، إلى وضع أسس الفردانيّة تمسّكا بالفردانيّة في حدّ ذاتها مبدأً وعقيدةً. ولكنّها عملت كلّ جهدها لمقاومة الذات /الموضوع التجريبيّة الطافية فوق خواء الكيان، مستعيضة عنها بأنا/فاعل هو انبثاق لهوية ذات كثافة فرديّة مميّزة. لقد كفّ الفرد مع الرومنطيقيّين عن أن يكون “صفحة بيضاء” كما تصوّره روّاد العقلانيّة الغربيّة في عصر النهضة، صفحة مهيّأة ليحفر فيها العالم الخارجيّ الحسيّ ما يريد من كتابات.
لقد أصبح الأنا الرومنطيقيّ أنا متعدّد الأبعاد لا يمكن اختزاله في العقل والوعي الواضح، وأصبحت هويّة الإنسان كينونة معقدّة مركّبة العناصر يتفاعل فيها الداخل والخارج، والوعي واللاّوعي، والحياة والموت، والصحّة والمرض، والإلهي والإنساني، والعلميّ والخرافي… إنّ الهويّة عند الرومنطيقيّين هي سعي الإنسان منذ أن أطرد من الجنّة وسقط إلى الأرض، إلى أن يهتدي إلى الموقع الملائم له في الكون وبين الكائنات، موقع الوسط الذي يخوّله أن يكون مركز الكون وملتقى أنطولوجيا تنصبّ إليه كلّ روافد الخلق الإلهيّ. ولكنّ سعي الإنسان منذور للفشل والخيبة.
وذلك ما يجعل كتابات الرومنطيقيّين تصطبغ بالحزن والألم والاحتجاج والرفض، إذ أدركوا أن لا سبيل لهم إلى استعادة الإنسان مركزيّتَه والتحامَه بالوحدة الكونيّة إلاّ عبر الموت. بناء على ذلك رفض غوسدورف رفضا باتّا وصم المفكرّين والشعراء والروائيين الرومنطيقيّين بالعدميّة. فأكّد أنّ نبرة الرفض عند الرومنطيقييّن هي الشكل التعبيريّ القويّ لمقاومتهم النزعة التنميطيّة الامتثاليّة التي أرادت المدرسة العقلانيّة أن تحشر الإنسان الحديث في قالبها.
وقد اعتبر غوسدورف أنّ فلسفة الطبيعة مع شيلنغ وأوكن ثمّ فلسفة الحياة مع ديلتاي ونيتشه وبرغسون، هما أبرز تعبير فلسفيّ عن روح الإبستيمولوجيا والأنتروبولوجيا الرومنطيقيتين اللتين أسّستا لمعرفة منغرسة في الحياة، تعتبر الإنسان منغرسا في الطبيعة وهو وإياها جزء مركزي في الوحدة الكونيّة الكليّة. إنّ الإنسان هو مجاز لانسياب تيّار الحياة، والحياة هي النواة التي يتشكّل داخلها الإنسان. ولذلك فالعلاقة جدليّة بين المعرفة والكينونة، يؤطّرها حلول الإنسان في الكون وحلول الكون في الإنسان. فهو الكائن المتجسِّد المتجسَّد. إنّه التجلّي الجزئيّ في الفضاء والزمان لحيويّة الخلق الكليّ المتطوّر.
وقد خصّص المؤلّف الفصل الخامس من الجزء الثاني لدراسة الطبّ الرومنطيقيّ، وجعله حقلا تطبيقيّا اختبر فيه تأثير مبادئ الأنتروبولوجيا الرومنطيقيّة في ميدان مداواة المرضى في القرن التاسع عشر وما تولّد عنها من علوم جديدة في القرن العشرين كعلم النفس خاصّة. فعلاوة على الكمّ الهائل الذي تضمّنه هذا الفصل من المعلومات النادرة عن بواكير الطبّ الرومنطيقيّ واتصاله بمجالات ثقافيّة ومعرفيّة يحسبها الناس غريبة عن العلم والطبّ، وعلاوة على كشف المؤلّف النقاب فيه عن إسهامات علماء وأطبّاء كثر طواهم النسيان والجهل، يبيّن هذا الفصل المساهمة الفعّالة المباشرة للمعرفة الرومنطيقيّة في تطوير طبّ الشخص وفنون معالجة الجسد انطلاقا من ثلاثة مبادئ رومنطيقيّة أساسيّة استفادت فيها من فلسفة الطبيعة وهي: أسبقيّة الجهاز العقدي العصبيّ على الجهاز المخيّ الشوكيّ، واتصال مبدأ الحياة الأوليّ بالمتعضيّة الكونيّة الكليّة، وتلاحم الروح والجسد تلاحما لا فكاك له.
إنّ مختلف هذه الرواسم الفكريّة والفلسفيّة والميتافيزيقيّة التي انبنت عليها الأنتروبولوجيا الرومنطيقيّة، قد جعلت الإنسان الرومنطيقيّ، الهومو رومنتيكوس، إنسانا مختلفا جدّا عن إنسان عصر الأنوار في مقوّمات ذهنيّة ونفسيّة واجتماعيّة تجلّ عن الحصر.
إنّ الإنسان الرومنطيقيّ هو إنسان الآمال الخائبة لا التفاؤل والوثوق في النجاح، وهو الإنسان الذي يقتحم المتاهة ولا يضرّه في شيء أن يظلّ تائها وسط شعابها، بينما إنسان عصر الأنوار هو إنسان الخطّ الهندسيّ المستقيم المتقدّم دوما إلى الأمام. وفي حين يجسّد إنسان عصر الأنوار الامتثاليّة المطلقة والمبايعة الكاملة لأفكار عصره والذوق السائد باعتبارها صادرة عن العقل، لا يقتصد الإنسان الرومنطيقيّ في إعلان مروقه الدائم من كلّ المؤسسات التي تصنع الأفكار ورفضه لكلّ الأفكار التي تنقلب مؤسسات.
إنسان عصر الأنوار يعرّف ذاته بما تلقّى وأنتج من مبادئ يراها متفقة مع الواقع الحسيّ الخارجيّ، أمّا الإنسان الرومنطيقيّ فذاته هي جماع ما عاش من تجارب وجوديّة، وما خاض من مغامرات، وما قام به من أسفار، وما انساق إليه من خيبات، وما عانى من أمراض وشقاء… كلّها يعدّها مسارات تدريبيّة في طريقه إلى الالتحام بالوحدة الكونيّة. فالرومنطيقيوّن ظامئون أبدا إلى المطلق، حجيج هم دوما إلى قدس الوحدة الصوفيّة مع الطبيعة، سعيا إلى استرداد موطنهم الأوّل في الفردوس المفقود.
هل انتهى اليوم الإنسان الرومنطيقيّ ومات؟ لقد درج مؤرّخو الأدب على تحديد نقطة زمنيّة مّا تاريخا لنهاية الرومنطيقيّة وموت الإنسان الرومنطيقيّ، بعضهم يجعلها سنة 1830 إحالة على التاريخ المتفق عليه ميلادا للمدرسة الواقعيّة، وبعضهم ينفث في عمرها سنوات أخرى قلائل فيجعل سنة 1848 إعلانا عن نهاية الرومنطيقيّة تزامنا مع أحداث كمونة باريس.
يرفض جورج غوسدورف إصدار بطاقة وفاة للرومنطيقيّة ويعلن في آخر الكتاب أنّ الإنسان الرومنطيقيّ لم يمت “فحضوره يلاحق تخوم تقافتنا وعيا شقيّا ثابتا، يقف في وجه الحتميّات المضنية للحضارة الصناعيّة والتقنيّة ولمجتمع الحشود”. فالمؤلّف يرى، تواؤما مع الفكرة الأساسيّة التي بنى عليها كتابه، أنّ الرومنطيقيّة ظاهرة معرفيّة عابرة للتاريخ ليس لها نقطة انطلاق محدّدة ولا نقطة نهاية معلومة. ومثلما أنّنا يمكن أن نقرأ الماضي الإنسانيّ في ضوء المبادئ الرومنطيقيّة فنرى لها تجليّات في أغوار الأزمنة السحيقة، فكذلك ستظلّ الثقافة الإنسانيّة مفتوحة إلى الأبد على التحقّقات الرومنطيقيّة في الأدب والفنّ والفكر والسياسة والعلم.
وعلى هذا النحو فالإنسان الرومنطيقيّ مازال قائما بيننا حتّى بعد أن أعلن مؤرّخو الأدب نهاية الرومنطيقيّة، إنّه حاضر في كلّ “تمرّد باسم الذاتيّة المعيشة ضدّ تعديات الخارجانية، وباسم الخيال ضدّ العقل المُمَكْنَن”. لقد ظهر الإنسان الرومنطيقي مع السورياليين متمردا على قصور الفكر الوضعي والامتثالية الاجتماعية البورجوازية، وخرج متظاهرا مع الطلاب في ماي 1968 صارخا يردّد شعار “السلطة للخيال”، وهو ما يزال ينشط إلى اليوم مدافعا عن البيئة منتصرا للطبيعة.
إنّ الإنسان الرومنطيقي ما زال قائما قريبا منّا وبيننا وفينا، فكلّ من تمسك بحرية الكيان ورفض أن يكون قطعة صغيرة في آلة التشييء الكبرى، وكلّ من تمكّنت منه جرثومة الأدب والفن ورام الإنشاء والخلق شكلا أو كلمة أو صورة أو حركة… فهو بالضرورة إنسان رومنطيقي. لقد قال ميشال بيتور (Butor) وهو أحد رواد مدرسة الرواية الجديدة في حوار له: “إنّ كامو (Camus) هو بالتأكيد رومنطيقي. بل إننا كلّنا رومنطيقيون. توجد من ناحية رومنطيقية المدرسة الأدبية التي بلغت أوجها سنة 1830. هذه المدرسة تنتمي طبعا إلى كتيبات الأدب المدرسية. ولكن ثمة حركة ابتدأت منذ نهاية القرن الثامن عشر وظلّت تتطور إلى اليوم ودون انقطاع.. يوجد خط اتصال بين الرومنطيقيّين والأدب المعاصر. أما الارتدادات التي تمت في القرن العشرين إلى الكلاسيكية، فقد ماتت كلّها بصفة كاملة”. وقال الشاعر الفرنسي بيار ريفردي (Reverdy) “إنّ من الصعب على الفنان أن يعيش دون رومنطيقية، فإن لم يكن رومنطيقيا في آثاره، كان رومنطيقيا في حياته، وإن لم يكن رومنطيقيا في حياته، احتفظ برومنطيّقيته في أحلامه… وقد حدث وتخلصنا من الرومنطيقية، ولكننا ما إن فعلنا ذلك حتى سقطنا عامة في ابتذال بائس″.
ولعل تنامي الاحتفال اليوم في الأدبين الغربي والعربي بالمدرسة الرومنطيقية، بل لعل ترجمة هذا الكتاب اليوم وقد مضى على صدوره عقود من الزمن، دليل آخر على وجود الإنسان الرومنطيقي بيننا أو عودته إلينا.
وقد عرفت هذا الكتاب منذ سنوات طوال وقرأته مرات وعايشته وعاشرته واشتهيت لو كنت له مؤلّفا. وحين أتيح لي أن أترجمه إلى العربية بدعم من معهد تونس للترجمة، أمضيت أربع سنوات أتأنّى في نقله وأتحرى، وحاولت طيلة هذه المدة وسع الطاقة أن أكون وفيا للنص في لغته وأفكاره وروحه، وأن أعمل كل جهدي على أن يكون في لغة عربية سليمة تزدان بحلية الشعر في مواطن الشعر والبوح الكثيرة التي نستمع فيها إلى الكتاب الرومنطيقيين يبثّون شكواهم ويصوغون رؤاهم المتفردة للعالم، وتلتزم بدقة الفلسفة وعمقها في مواطن الفلسفة وتأويل أمهات النصوص والمجادلات الفكرية التي انبرى المؤلف في جميعها يحلّل ويستدلّ على آرائه ويناقش خصوم الرومنطيقية بطريقة بديعة تؤالف بين صرامة العلم، وعمق الفلسفة، وطلاوة الأدب.
وكل الأمل أن ينضاف هذا الكتاب إلى مكتبة معهد تونس للترجمة العامرة بأعمال على غاية من الأهمية والإتقان، وأن يكون زادا لعشاق الأدب الرومنطيقي والباحثين المتخصصين في مشارق العالم العربي ومغاربه يعودون إليه للتعمق في دراسة الركائز المعرفية والفلسفية والأنتروبولوجية التي قامت عليها الرومنطيقية الغربية والتعرف على الإنسان الرومنطيقي الذي اقتبل الناس ولادته بسوء الفهم والتجنّي عليه والتشكيك فيه، وكلما صدّقوا تاريخ الأدب وحسبوه مات وتبخر، انبثق لهم من جديد يطلع من برعم حركة أدبية ناشئة أو من رحم رغبة عارمة في الحج إلى موطن التخييل وإعادة تشكيل العالم تشكيلا جديدا حيث القول والفعل من جنس واحد، وحيث الاستعارة سبيل إلى الحياة وتوأم للحقيقة.