سُرادق للموت
إلى أهل الحُوله
وجه الولد الصغير المغموس في الدم، صفّ النوافذ المخرمة بفعل الرصاص، عويل النساء الذاهلات، هول اللحظة المشحونة بالوجع، والدّم المتخثر، يكشف قبح ذاك الجندي الواقف هناك إزاء الجدار والقابض على أخمص بندقيته بغير اكتراث.
لقد رأيت.. رأيت سادة الموت يتناسلون خفافا من أطراف الطرقات، ينخرطون في نصب سرادق ضخم للغياب، الأطفال الموزعون على المكان، يتمترسون خلف حائط البكاء الواهي.
آخر ما سمعتُ في تلك اللحظة الخاطفة كوميض برق، هي حشرجات الولد المضهود، (فراس) وهو ينازع شبح الموت، صوت مرتبك يأتي من طرف المكان: احفظ اسم الولد، احفظ اسم الولد. وأنا أردد بصوت خفيض فراس فراس.
من مكاني مازلتُ أرى المكان عينه الفائض بالجنود المدججين بالقسوة، والذين لا يفتأون يغرسون التبدد الخشن في أرواح الأطفال الصغار. ما زلت متواريا خلف سيارة محترقة أردد الاسم داخلي كي لا يتخطفه غول النسيان.
كنت شاهدا على تلك اللحظات المرة التي تنطفئ فيها الكلمات على شفاه الصغار، وتتحنط أعينهم ساهمة مشدوهة إلى نقطة ما من المكان البغيض، الذي يقف فيه الجنود، كنت أحدق إلى وجه الجندي فألمح في تينك العينين ذاك البريق الحاد، والبشع، يومض متوّجا بالنصر، تتلوها رجفة خفيفة تتصاعد من جسد الطفل (فراس) أشبه بالرد الأخير، والمتأخر على عراك غير متكافئ.