العلاقة بين الرواية والتاريخ
العلاقة بين الرواية والتاريخ أهي علاقة أمومة ورضاعة تبادلية؟ أم علاقة تزاوج يعقد الروائي قرانها لينجبا كائناً ورقياً يحمل ملامح الأبوين؟ وبمعنى آخر هل الرواية مصدر من مصادر التاريخ أو التاريخ مرجع من مراجع الرواية؟ وما حقيقة مصطلح الرواية التاريخية؟ يكاد النقاد يجمعون على أن العلاقة بين التّاريخ والرواية علاقة إشكالية حيث تتداخل وتتشابك بينهما الكثير من الخطوط، خاصّةً وأنّهما يعتمدان على الكثير من المكوّنات المشتركة كالإنسان والزمان والمكان والطابع القصصي، فما من رواية إلّا وتقوم ـكالتاريخ- على بنية زمنية تاريخية تتشخص في فضاء مكاني وتمتد من الماضي إلى لحظة الكتابة وقد تتجاوزها إلى المستقبل، وكذلك التّاريخ. ولا تاريخ دون قصّ كما قال كروتشة، فهو نوع من الرواية لأحداث وقعت في الماضي، ونمط من الحكاية عن أشخاص وظواهر وأحداث اجتماعية واقتصادية وسياسية، ولعلّ هذا ما دفع بمحمود أمين العالم إلى القول بأن الرواية هي تاريخ متخيل داخل التّاريخ الموضوعي.
نبدأ بالتفريق بين التّاريخ والتأريخ: فالتأريخ بالهمز: هو الكتابة عمّا حدث أمّا التّاريخ فهو إعادة قراءة ما حدث، وإعادة كتابته بصورة أخرى أقرب إلى الحقيقة التاريخيّة ومن هنا كان الإشكال بين الرواية والتاريخ وليس التّأريخ (بالهمز) لأنّ الأديب يقرأ الأحداث بعينين: الأولى واقعية والثانية تخييلية ويعيد كتابتها في بنية فنية.
الرواية مصدرا تاريخيا
بما أن الرواية تتناول ظواهر اجتماعية، وكل ظاهرة اجتماعية هي ظاهرة تاريخية كما يقول باختين، نستطيع القول بإمكانية اعتبار الرواية مصدرا غير تقليدي للتاريخ؛ لأنّها الأقدر على التغلغل في طيات المجتمع وخبايا النفوس والأقدر أيضاً على إنطاق المسكوت عنه في الخطاب الثقافي والسياسي والاجتماعيّ العام.
وكثيرون من ذهبوا إلى أن الرواية هي كتابة التّاريخ غير الرسمي أو التّاريخ المنسي، فهي التي تتغلغل في تفاصيل ينساها ذلك التّاريخ الذي ينشغل بتدوين الأحداث الكبيرة والأسماء العظيمة، وينسى تداعيات تلك الأحداث على الأرض والبشر الضحايا، الذين يعيشون في الظل بعيدا عن شموس قيادة الحدث، كما أنّه يدون حياة تلك الشخصيات المرمية على هامش الحياة والتاريخ وأعمالها، وما كان لنا أن نعرفهم لولا الرواية .وهذا ما أكده كارلوس فونتيس حين قال “أعتقد أن الرواية تمثل الآن تعويضا للتاريخ، إنّها تقول ما يمتنع التّاريخ عن قوله…. نحن كتاب أميركا اللاتينية نعيد كتابة تاريخ مزور وصامت، فالرواية تقول ما يحجبه التّاريخ” (مجلة الكرمل العدد 18).
ولا ننسى أن المؤرخين كانوا يتعاملون مع التّاريخ على أنّه نوع من الأدب، ويؤكد قاسم عبدة قاسم في مقالته “التاريخ والرواية” (مجلة العربي العدد 557) بأن العلاقة بين التّاريخ والرواية هي علاقة تكامل واعتماد متبادل، فالرواية هي وثيقة للمؤرخ الذي يريد أن يفهم مجتمعا في حقبة معينة، والرواية التي لم تكتب بقصد أن تكون تاريخاً تظل من أهمّ المصادر التاريخيّة لمعرفة النظام القيمي والأخلاقي، والعادات والتقاليد والمشاعر والأحاسيس ورؤية الناس لدورهم وعلاقتهم بالآخرين داخل مجتمعهم وخارجه. فضلا عن أنواع الملابس والطعام ورأيهم فيما يدور حولهم من أحداث وفي من يحكمونهم، وهي كلها أمور لا يجدها الباحثون في المصادر التاريخيّة التقليدية التي كتبت بقصد أن تكون تاريخا ولا يمكن لباحث أن يزعم أنّه فهم مجتمعا في فترة تاريخية ما دون أن يكون عارفا بآدابه وفنونه ومن بينها الرواية بطبيعة الحال.
ولهذا اعتبر الروائي الفرنسي بلزاك نفسه مؤرخ العصر، وإميل زولا هو مؤرخ للحياة الاجتماعية في القرن التاسع عشر، ونجيب محفوظ يؤرخ للقاهرة في الأربعينات، وكذلك عبدالرحمن منيف في مدن الملح، ثمّ في أرض السواد يؤرخ للجزيرة العربيّة والعراق.
التاريخ مرجعا أدبيا
كما يمكن للرواية أن تكون مصدراً من مصادر التاريخ، ويمكن للتاريخ أن يكون مرجعا للرواية ومنهلاً تستقي منه موضوعاتها، ومكوناتها كما تؤكد سليمة عذراوٍي أنّ هناك ارتباطاً فطرياً بين التّاريخ والفنّ الروائي، إذ أنّ كليهما يتضمن سرد الأحداث بشكل قصصيّ، ولوجود هذه العلاقة بين الفن والتاريخ اتّجه الكتّاب إلى قراءة هذا المصدر الثري، وهضم صوره وصياغة موضوعاته صياغةً حيّةً نابضةً لتغدو وسيلةً للتعبير من خلالها عن أنفسهم باعتبار أنها ذوات تحسّ وقلوب تنبض.
هذا التداخل والتكامل بين الرواية والتاريخ دفع النقاد إلى التمييز بين كتابة التّاريخ والرواية التاريخيّة والرواية الأدبية، فالرواية التاريخيّة تشترك مع الرواية الأدبية في وجود بنية تاريخية تتأسس عليها (أشخاص وفضاء وشخوص كما في الواقع) لكنّ الرواية التاريخيّة تنطلق من ذوات وأحداث حقيقية وتشكل جزءاّ من التّاريخ.
ولعلّ منبع الإشكالية بين التّاريخ والرواية كما يرى مفيد نجم (صحيفة العرب العدد 10353) يأتي من دلالة المصطلح الذي لا يقيم أيّ تمايز بين الرواية التاريخيّة التي تقوم على سرد وقائع وأحداث جرت في الماضي متتبعة في سردها التسلسل الزمني الطبيعي، والرواية التي تتخذ من التّاريخ فضاءً لها مستخدمة بذلك أدوات الخطاب التخييلي
كما يفرّق نجم بين الروائي والمؤرخ بقوله “ليس على الروائي أن يقوم بدور المؤرخ إذ لكل منهما أسلوبه ولغته في التعامل مع الواقع والأحداث، كما أنّ الزمن الروائي هو زمن تخيلي قبل كلّ شيء؛ على الرغم من محاولة الكاتب الواقعي أن يخلص للواقع من خلال تمثّله ولكن وفق ما تمليه رؤيته إليه وحاجات الخطاب المسرود، بينما يبقى المؤرخ أسير الحدث لغة ومنهجاً، وإذا كان التّاريخ هو ما كان فأنّ الرواية هي ما يمكن أن يكون”.
وإذا رجعنا إلى جورج لوكاتش في كتابه “تاريخ الرواية” رأينا أنّه يعرّف الرواية التاريخيّة بأنّها رواية تاريخية حقيقية؛ أي رواية تثير الحاضر، ويعيشها المعاصرون بوصفها تاريخهم السابق للذات، “فهي عمل فني يتخذ من التّاريخ مادة له؛ لكنها لا تنقل التّاريخ بحرفيّته بقدر ما تصوّر رؤية الفنان له وتوظيفه لهذه الرؤية للتعبير عن تجربة من تجاربه أو موقف من مجتمعه يتخذ من التّاريخ ذريعة” كما يرى عبدالحميد القط في كتابه “بناء الرواية” (ص 23).
مسيرة الرواية التاريخية
لعلّ الإجابة عن تساؤلات تلك العلاقة الإشكالية بين الرواية والتاريخ تتوضح من خلال متابعة سيرورة ما عرف بالرواية التاريخية ومضامينها.
فمن خلال تتبعنا لها عالمياً وعربياً، وجدنا من ينسبها في الغالب إلى الروائي الأميركي ستيفن كراين برواية “شارة الشجاعة الحمراء”، ولكن تكامل العناصر الفنية فيها تنسب إلى والتر سكوت الأسكتلندي (1771- 1832) أبي الرواية التاريخيّة وأشهرها رواية “إيفانهو” (1819) و”الطلسم” (1825) وقد كتب أكثر من 55 رواية جسّد فيها التّاريخ الأسكتلندي بطريقة فنية أكثر تأثيراً من كتب التّاريخ الجافة، حتى ساد اعتقاد الكتاب والباحثين على أنّ روايات سكوت أقرب إلى الحقيقة التاريخيّة من كتب المؤرخين ثمّ سار على نهجه بالورليتون وجورج إلبوت. وإلى بلزاك ينسب فضل إدخال العادات والتقاليد إلى الرواية التاريخيّة. وانتقل تأثير سكوت إلى أوربا كلّها فكتب في فرنسا ألكسندر ديماس الأب (1802-1870) التّاريخ الفرنسي ابتداء من عصر لويس الثالث عشر حتى عودة الملكية وتبعه في فرنسا فكتور هيجو فكتب “نوتردام دوباري” (1831) و”كاتر فان تريز” (1873) ومن ثمّ انتقل اللون الروائي التاريخي إلى سائر الآداب العالمية وكانت “الحرب والسلام” لتولستوي من أعظم الروايات التاريخيّة.
أما القصة والرواية التاريخيّة عند العرب فعُرفت في كتابات سليم البستاني وجورجي زيدان وأنطون فرح ويعقوب صروف وأمين ناصر وغيرهم من الجيل الأول، فقد كتبوا التّاريخ في سياق حكايات تكون أكثر تسلية وتشويقا، وقد قدّم جورجي زيدان 23 رواية تاريخية (1861- 1914) سماها “روايات تاريخ الإسلام” والرواية عنده وسيلة لتقريب التّاريخ وانتُقد زيدان بافتقاد روايته للحقيقة التاريخيّة وتزييفه للتاريخ الإسلامي، كما اتّهم من قبله والتر سكوت بتزييفه للتاريخ الأسكتلندي، وهي تهمة يعاني منها أكثر كتاب الرواية التاريخيّة حيث يتهمون بالتزوير والتشويه والعمالة.
ثمّ تبعهم الجيل الثاني، ومنهم علي الجارم الذي قدّم أعمالاً تاريخية تهدف إلى التعريف ببعض الشعراء العرب؛ كابن زيدون وابن عباد وأبي فراس الحمداني والوليد بن يزيد. ومحمد فريد أبوحديد الذي عاد إلى ما قبل الإسلام ليستمد منه أعمالا روائية كعنترة والمهلهل والملك الضلّيل. وعلي أحمد باكثير في “وا إسلاماه” التي استمدها من معركة عين جالوت، ومحمد العريان الذي اقتصر على تاريخ مصر الإسلامية في عهدي المماليك والأيوبيين في رواياته “قطر الندى” و”شجرة الدر” و”على باب الزويلة”، وعنده تحولت الرواية التاريخيّة لتعكس حياة العامة بدلاً من الأبطال المعروفين، وكتب عادل كامل في التّاريخ الفرعوني “إخناتون” وأوغل عبدالمنعم محمد إلى عالم الأساطير والفانتازيا فكتب “إزيس وإيزوريس“. أما عبدالمجيد جودة السحار فكتب قصة “أمير قرطبة” و”سعد بن أبي وقاص”. وكتب نجيب محفوظ ثلاث روايات تاريخية استلهمها من التّاريخ الفرعوني وهي “رادوبيس” و”عبث الأقدار” و”كفاح طيبة”. وتجاوزه نجيب الكيلاني بقدرات فنية عالية، وتقنيات سرد حديثة في رواية “عذراء جاكرتا” و”ليالي تركستان”.
ونلاحظ أنّ أغلب الروايات التاريخيّة التي ذكرناها حاولت استلهام مواقف من التّاريخ القديم العربي والإسلامي، وهي محاولات لإبراز الذات القومية في مواجهة الغرب، شأنها شأن الرواية التاريخيّة الغربيّة التي بدأت تبعث في الذاكرة الشعبيّة تلك الظلال العظيمة للماضي، والتذكير باللحظات المجيدة في تاريخ أممها.
ومع جمال الغيطاني يتبلور مفهوم جديد للرواية التاريخيّة حيث أصبحت الرواية توهم بالاندراج في الماضي وتظلّ قائمة في الحاضر، كما في روايته “الزيني بركات”، وفي الرواية المكتوبة باللغة الفرنسية في الأدب العربي فأمين معلوف يشكل علامة فارقة فيها على مستوى الثقافة العربيّة والعالمية فقد كتب “حدائق النور” في المانوية التي انتشرت قبل الإسلام في بلاد فارس و”موانئ الشرق” التي أرخت للقضية الفلسطينية، و”سمرقند” التي تناولت عمر الخيام والحسن الصباح ونظام الملك، وما يميزه عن غيره إيمانه بفكرة التسامح ودعوته إلى الحوار بين الشرق والغرب.
ومن خلال ما سبق نستطيع القول إنّ ما اصطلح على تسميته بالرواية التاريخيّة نوعان من الروايات: الأول كتب التّاريخ بأسلوب أدبي اعتمد التوثيق حيناً والتوثيق والتشويق حينا آخر كما فعل جورجي زيدان، والثاني اعتمد التخييل التاريخي كجمال الغيطاني وكذلك منهم من اعتمد الشخصيات والأحداث التاريخيّة مكونا لروايته، ومنهم من تجاوزها إلى العامة متخذا من التّاريخ فضاءً مكانياً لروايته.
مصطلح الرواية التاريخية
هنا يحق لنا أن نتساءل ماذا عن روايات نجيب محفوظ التي اتخذت من القاهرة مكانا خلال نصف قرن وأكثر في الثلاثية التي مرت على ثورة 1919 و”خان الخليلي” التي قدمت لنا التّاريخ من خلال الإنسان و”الكرنك” التي صورت لنا ما آل إليه النظام، وأزعجت التيار الناصري أو هدى بركات التي رصدت في “ملكوت هذه الأرض” للحرب اللبنانية أو واسيني الأعرج الذي رصد فترات من الأزمة الجزائرية في “شرفات بحر الشمال” و”ذاكرة الماء” وفؤاد التكرلي في “المسرات والأوجاع”، وقد رصد الحرب العراقية الإيرانيّة من خلال تداعياتها على الإنسان والمجتمع، وأعمال شاكر الأنباري التي تناولت الحروب العراقية ومنها “نجمة البتّاوين” التي تناولت بداية الاحتلال الأميركي للعراق في 2003 من خلال الإنسان الذي دفع ضريبة ويلات تلك الحروب، وخاصّةً الطائفيّة منها، ونبيل سليمان في رباعيته الأخيرة ومنها “جداريات الشام نمنوما” و”ليل العالم” و”تاريخ العيون المطفأة”، وقد رصد من خلالها حراك الثورة السورية واختراق داعش لها في الرقة، و كذلك شهلا العجيلي في “سماء قريبة من بيتنا” التي تناولت مرحلة داعش وتداعياتها على الثورة السورية.
والسؤال المحوريّ هنا: أليس التّاريخ في تعريفه الاصطلاحي هو قراءة وكتابة أحداث وقعت في إطار زماني ومكاني محددين؟ والحدث والزمان والمكان مكونات أساسية للرواية في الوقت ذاته؟
من خلال هذه التساؤلات ستكون كلّ رواية هي وثيقة تاريخية تشهد على حقبة كتابتها، وهذا أمر لا يخلو من الصحة، ولكن ليست كل رواية تتحدث عن مرحلة تاريخية ما تصنّف تحت مصطلح الرواية التاريخية لتلك المرحلة.
ونرى أن الحد الفاصل بين الرواية الأدبية والتاريخية هو موقع زمن الروائي من زمن الحدث الذي يرويه، أو المسافة بين زمن السرد وزمن الحدث، فجورجي زيدان الذي عاد في القرن التاسع عشر -لحظة الكتابة- إلى صدر الإسلام ليروي أحداثه، تصنّف رواياته بالتاريخية وكذلك والتر سكوت في تناوله تاريخ أسكتلندا وألكسندر ديماس الأب مع تاريخ فرنسا. ونجيب محفوظ في ثلاثيته التاريخيّة والتي بدأها في “عبث الأقدار” بقولٍ يحدّد البعد الزماني للروائي من زمن الحدث “لاحت في الأفق الشرقي تباشير ذلك اليوم من شهر بشنس المنطوي في أثناء الزمان منذ أربعة آلاف عام….” فالمسافة الزمنية بين الروائي وأحداثه أربعة آلاف عام.
وأمين معلوف في “سمرقند” الذي رجع إلى القرن الحادي عشر والدولة السلجوقية، ليقدم لنا الشاعر عمر الخيام وعلاقاته بنظام الملك وزير الدولة والحسن الصباح في قلعة ألموت كزعيم للإسماعيلية، وكذلك يوسف زيدان في “عزازيل” التي تدور أحداثها في القرن الخامس الميلادي ما بين صعيد مصر والإسكندرية وشمال سوريا حتى أنطاكية عقب تبني الإمبراطورية الرومانية للمسيحية، وما تلا ذلك من صراع مذهبي داخلي بين آباء الكنيسة من ناحية والمؤمنين الجدد، والوثنية المتراجعة من ناحية أخرى .أما في “حدائق النور” فقد عاد إلى سنة 216 للميلاد ليصور حياة ماني ذلك المفكر الديني الذي انطلق مبشرا بالتسامح الديني في بلاد الفرس والروم.
فهذه النماذج وما شابهها هي ما يطلق عليه رواية تاريخية. أمّا رواية “فرانكشتاين في بغداد” و”نجمة البتّاوين” و”المسرات والأوجاع” فقد كانت لحظة الكتابة أو ما يسمى زمن السرد مرافقاً للحدث في العراق، أو أبعد قليلاً، والتاريخ فيها مكوّن لا بدّ لكل رواية منه، فهو الحامل والحاضن للحدث وهو مكوّن فاعل في الشخصيات وفي ملامحها النفسية والجسدية أحياناً، فالمرحلة التاريخيّة هي التي أفرزت شخصيات “نجمة البتّاوين” المتشائمة والسلبية وهي التي حولت الأصدقاء في “التائهون” إلى خنادق العداء والمواجهة.
وأخيراً يمكن للرواية أن تكون تاريخاً، أو أن تكون تاريخاً موازياً لتاريخ ما، لكنها تتناول الحدث وإن كان تاريخياً من منظور ذاتي تخييلي، ومن الممكن أن يكون بعيداً عن التوثيق، ولهذا يتهم المؤرخون الرسميون الروائيين بالتزوير والعمالة والردة الفكرية، كما أنّه من الممكن أن تتحول لوثيقة تاريخية، ولو بشكل وجداني لحقبة ما، وليس من الضروري أن يكون همّ الروائي المعاصر أن يخدم التّاريخ بقدر ما يريد أن يخدم حاضره؛ متخذا من التّاريخ وسيلة لا غاية.