مختصر الكتب
أصول الشعبوية
الشعبوية هي نتاج هزتين. الأولى تمثلت في صعود كراهية واسعة ضدّ الأحزاب والمؤسسات السياسية. أمام فشل اليمين واليسار في التصدي لتغول الرأسمالية، كسرت الراديكالية المناهضة للمنظومة التوافقات التي توصّل إليها الطرفان. أما الثانية فهي نهاية مجتمع الطبقات لصالح مجتمع أفراد ينظرون إلى موقعهم الاجتماعي بصورة ذاتية. تولّد عن ذلك تقاطب جديد يفصل بين المؤيدين والمرتابين تجاه الآخر. وكان أن برز اليمين الشعبوي في مفترق ارتياب مزدوج، تجاه المؤسسات السياسية والمجتمع، وازدهر على حساب الاستياء الديمقراطي، مجددا في الوقت ذاته التقابل يسار – يمين. كل هذه القضايا يعالجها كتاب “جذور الشعبوية. بحث في الانشقاق السياسي والاجتماعي” اشترك في تأليفه يان ألغان وإليزابيت بيسلي ودانيال كوهين ومارسيال فوكو، استنادا إلى معطيات غير مسبوقة لفهم حاضر المجتمعات الديمقراطية ومستقبلها.
الحرب العالمية الباردة
في كتاب ضخم، ينظّر المؤرخ النرويجي أود أرنه فيستاد إلى الحرب الباردة من زاوية مغايرة، كما يدل عليه عنوان كتابه “الحرب العالمية للحرب الباردة 1890 – 1991”. هذه الحرب في نظره هي تاريخ مواجهة بين الرأسمالية والاشتراكية بلغت ذروتها ما بين 1945 و1989، ولكن جذورها ترجع إلى عهد أقدم، ما زلنا نشهد آثارها. ففي أوجِها رسّخت نظامًا عالميا مبينا حول قوتين عظميين، وعالمًا ذا قطبين صار فيه النفوذ والعنف، أو التهديد بالعنف، من معايير العلاقات الدولية، ونحت فيه اليقينيات إلى الغلوّ لتنذر الخصم بسوء المصير. والمؤرخ النرويجي يعالجها من منظور شامل كظاهرة عالمية لا تشمل هذا المعسكر أو ذاك، بل تتعداه إلى كوبا وكوريا وأنغولا وباكستان ومصر وإيران وغيرها من البلدان التي كانت مأمورة بتبني موقف من هذا الصراع الأيديولوجي الواسع، وينطلق من سنة 1890، تاريخ أول أزمة رأسمالية عالمية وراديكالية الحركة العمالية الأوروبية، وتحول أميركا وروسيا إلى إمبراطوريتين عابرتين للقارات، ليتوقف بعد قرن من الزمان عند العام 1990 وسقوط جدار برلين، وانهيار الاتحاد السوفييتي، وصعود الولايات المتحدة كقوة عظمى تبسط هيمنتها على العالم.
الفلسفة القديمة لابتكار أنماط تفكير جديدة
الفلسفة القديمة، كما تعلمناها في المدرسة، ليست فقط مولد العقل مع نقد الميثولوجيا والدين؛ وابتكار الإيتيقا مع الاهتمام بالذات والتمارين الروحانية؛ إضافة إلى رواق من التماثيل النصفية البيضاء لسقراط وأفلاطون وأرسطو… في كتاب طريف بعنوان “الفلسفة القديمة” يقترح الباحث الفرنسي بيير فيسبريني تعليق هذه السردية الكبرى والتوجه مباشرة إلى المنابع لنسأل: ما المقصود بفيلوسوفيا في العصور القديمة؟ وسوف نكتشف أرضا تزخر بالألوان والحكايات، حيث يجد المألوف غرابته، ويعلن الغريب عن قدومه. فالتاريخ هنا لا يعارض الفلسفة بل يغير موقعها، والمؤلف، إذ يقترح إعادة بناء التجربة القديمة للفلسفة من عصر الحكماء إلى عصر التنصير، يدعو أيضا إلى الوعي بما ضاع، لابتكار أنماط أخرى لأجل إدراك المعرفة والفكر.
أسطورة الشاعر المجنون
من 1807 إلى 1843، كان سكان مدينة فرتنبورغ يلمحون متجولا فريدا يغادر بيتا بني على برج سور قديم، وتعوّدوا على رؤيته وهو يمشي متمتمًا بأبيات من الشعر الفرنسي واليوناني والألماني. هذا الرجل يدعى فريدريخ هولدرلين، مؤلف رواية “هيبريون”. هاجر إلى فرنسا عام 1801، ونشر إثر عودته ترجمات لسفوكليس أثارت سخرية غوته وشيلر، بسبب تصرّفه في الأبيات الأصلية. ولما أدركت أمه أنه لن يكون قسّا أودعته مصحة نفسية طيلة أشهر. من هنا نشأت الأسطورة الرومانسية للشاعر المجنون، التي يضعها الكاتب والناشر الفرنسي بونوا شانتر موضع شك، إذ يتساءل ما إذا كان هذا الشاعر الكبير يريد قول شيء آخر، في النصف الثاني من حياته التي قضاها في الاستماع إلى جرس توبينغن. فهولدرلين، كآخر شعلة في التقاليد الصوفية التي أضاءت الليل الأوروبي وأول فنان مختل المدارك في ألمانيا، لا يمكن أن يُنصَت إليه في تلك المرحلة. ومن ثَمّ يدعو شانتر إلى إعادة قراءته كشاهد على نهاية عالم، والاستماع إلى درس صلابته وعناده.
خداع الرأسمالية
مستقبلنا سيكون من الثراء ما يجعلنا لا نهتم للديون المتراكمة، لأنها سوف تمحى بفضل الإنجازات القادمة. وإذا كان الإنسان كائنا مضرًّا أفسد الكوكب، فإنه سوف يتمكن بسهولة من إعادة بناء نفسه ومضاعفتها بفضل معجزات التكنولوجيا. تلك وعود الرأسمالية المضاربة، كما يشرح دوافعها وغاياتها بيير إيف غوميز أستاذ التصرف بالمعهد الأعلى للتسويق بليون في كتاب “روح الخداع الرأسمالية”، فقد لاحظ أن هذه الروح قد اجتاحت المجال المالي ثم الاقتصاد الحقيقي، وأخيرا المجتمع برمته، فقلبت رأسا على عقب العمل والاستهلاك والشركات والذهنيات والمعيش اليومي لتنتج مجتمعا ماديا محموما قانعا بمصيره. وفي كل أزمة، يدعونا إلى عقد الأمل في مستقبل ينقذنا، مع التأكيد في الوقت ذاته على أن الإنسان سيقصى إن لم يتكيف.
دليل المناضلين
من الكتب التي لا يمكن أن يستغني عنها أي مناضل “دليل النشاط السياسي” الذي وضعه الفيلسوف اليساري الأميركي مايكل فالزر عام 1971 عند اجتياح الولايات المتحدة كمبوديا، فصار دليلا عمليا وفكريا لكل راغب في الدفاع عن قضية من القضايا الحارقة، يجد فيه أجوبة عن مدى حظوة القضية بقبول واسع، وتخير ما يكون معقولا ومقبولا، وكيفية إقناع المعارضين، أو المختلفين داخل الشق الواحد… عندما وصل ترامب إلى الحكم، وأراد الطلبة الأميركان تنظيم صفوفهم لمعارضة سياسته، قام أحد أساتذتهم بنسخ هذا الكتاب على الطابعة، لأنه نفد منذ مدة، فسألوه “لماذا لا يوجد مثله في المكتبات، ففيه إجابة على كل الأسئلة؟” ولما شاع الخبر، بادرت مجلة نيويورك للكتب بإعادة نشره هذا العام، لأنه لم يفقد راهنيته، نظرا لتناوله قضايا غير محددة بزمن.
ما يتبقى من الأنوار
عادة ما يستحضر فكر الأنوار في الفضاء العام كصراع ضد الظلامية ينبغي فقط استعادة ما فيه، فكانت القراءات الشمولية تربطه بعبادة التقدم، والليبرالية السياسية وبكونية مفصولة عن جسدها. والحال أن فلاسفة الأنوار، كما يبين المؤرخ أنطوان ليلْتي في كتاب “إرث الأنوار”، لم يقدموا نظرية فلسفية متجانسة أو مشروعا سياسيا موحّدًا. لذلك يقترح إعادة النظر في فكرهم، من خلال قراءته لعدة مؤرخين معروفين وآخرين أقل شهرة، لكي يفي بما قدموه، أي جملة من الأسئلة والمشاكل، بدل فكر تجميعيّ جاهز ومطمئن. من هذه الزاوية، بدا فكر الأنوار كإجابة جماعية على ظهور الحداثة، لا يزال تعدده يشكل أفقنا الحاضر، من أسئلة فولتير عن التجارة الكولونيالية والاسترقاق إلى آخر تأملات ميشيل فوكو، مرورا بالنقد ما بعد الكولونيالي، وحيرة الفيلسوف أمام الجمهور.
دوركهايم وسراب الخلاص
ظل علم الاجتماع منذ انبثاقه في القرن التاسع عشر يهدف إلى مطمحين: تأسيس معرفة موضوعية عن المجتمع؛ ووضع هذه المعرفة لتصحيح مساوئ ذلك المجتمع. ورغم ما يبدو من تكاملهما فإن التوفيق بينهما صعب أحيانا. فعندما تسبق رغبةُ إعادةِ تشكيلِ المجتمع السعيَ إلى معرفتها، تكتسي النظريات الأكاديمية طابع رؤى للعالم تهدد بكسر الرابط بين الوقائع المؤكدة والتخمينات التفسيرية. وليس أدلّ على ذلك من أعمال دوركهايم التي لا تزال تعتبر تأسيسا لعلم الاجتماع الحديث. فقد قامت أساسا على وعد بخلاص علماني يتم عبر موارد العقل وحدها، فيما هي أخذت عن المسيحية فكرتيها الرئيستين: الاعتقاد بأن العالم البشري مصاب بداء يسيء إلى النظام الشرعي للأشياء، والأمل في أن هذا الداء يمكن أن يزول في يوم ما. تلك هي الفكرة الأساس التي يتناولها فيكتور ستوكوفسكي في كتابه “علم الاجتماع كرؤية للعالم: إميل دروكهايم وسراب الخلاص”.
الرباعي المؤسس للفكر الفلسفي الحديث
في كتاب “عصر السحرة” يستعرض الألماني فولفرام إيلنبرغر سيرة أربعة مفكرين هم لودفيغ فيتغنشتاين ومارتن هايدغر وإرنست كاسيرر وفالتر بنيامين، مثلوا منعرجا في الفكر الغربي ما بين الحربين العالميتين، ما بين 1919 و1929 تحديدا، فقد عالجوا، كل على طريقته، قضايا ساخنة في مرحلة بالغة التوتر، من نقد التكنولوجيا وأزمة الديمقراطية إلى الانكفاء الهووي والتنمية المستدامة، وتأولوها برؤية فلسفية جديدة وضعت أسس الفكر الغربي الحديث. وقد تتبع الكاتب سيرة أولئك المفكرين العباقرة من النمسا والغابة السوداء إلى باريس وبرلين لمعرفة منطلقاتهم وطرائق تفكيرهم ومشاكلهم الوجودية، والوقوف على موقعهم من مجتمعاتهم في تلك الحقبة العسيرة، التي شهدت صعود الفاشية والنازية والأزمة الاقتصادية العالمية. كتاب هامّ جمع بين البيوغرافيا والتحليل الفلسفي وحاز عنه صاحبه جائزة الاتحاد الأوروبي.
التفاوت بين الأطفال
“طفولات الطبقة – في التفاوت بين الأطفال” كتاب جماعي أشرف عليه برنار لاهير، أستاذ علم الاجتماع بدار المعلمين العليا في ليون، يبين كيف أن البشر لا يولدون متساوين، ولئن تناولت الخطب العالمة والسياسية التفاوت الاجتماعي، ماديّا وثقافيا، فإنها ظلت في الغالب مجردة. ومن ثَمّ انكب هؤلاء الباحثون على توضيح واقع الأطفال وتقديم صورة جلية عن الفوارق الصارخة في ظروف عيشهم الملموسة، من خلال بحث ميداني ما بين 2014 و2018 في مختلف المدن الفرنسية، ودراسة أوضاع خمسة وثلاثين طفلا ينتمون إلى شتى الطبقات الاجتماعية، الفقيرة والمتوسطة والعليا. وقد تميّز البحث بجدته سواء من جهة جهازه المنهجي، أو من جهة طرائق تحريره، ليرسم بورتريهات سوسيولوجية وتحاليل نظرية؛ غايته فهم حقيقة لا تقبل الجدل وهو أن الأطفال يعيشون في اللحظة نفسها في مجتمع واحد، وليس في عالم واحد. وأثر ذلك التفاوت على مصير الأفراد الاجتماعي.
ليفي سترواس العالِم المتعدد
بالتعاون مع اليونسكو، صدر كتاب “أن نفهم كلود ليفي ستراوس” بمناسبة الذكرى العاشرة لرحيله، وقد ساهم في تأليفه عدد من كبار علماء الأنثروبولوجيا المعاصرة تحت إشراف نيكولا جورني. والمعلوم أن ليفي ستراوس (1909 – 2009) أنجز ما لم ينجزه إلا القليل من العلماء، فبالإضافة إلى مسيرته كإثنولوجي متخصص في القارتين الأميركيتين، كان له حضور بارز ككاتب، ودور في اندلاع ثورة فكرية هي البنيوية. لم يكتف المساهمون بهذا الدور، بل أخضعوا إنجازه للنقد، لفهم اشتغاله على القرابة والأساطير وأنماط التفكير، وهو ما عبر عنه هو نفسه لتفسير دوافع استكشافه القبائل في أماكن قصية “ما نبحث عنه بقربنا أو على مسافة آلاف الكيلومترات وسائل إضافية لنفهم كيف يعمل الفكر الإنساني”. على ضوء هذه القناعة الأنثروبولوجية، التي تبين أن القريب يختفي في البعيد، تقاس آثاره وانتشارها، كما يقاس تأكيده على مخاطر الحداثة على الطبيعة، حسبما شاهد وعاين.
الفرح لبلوغ الحكمة
جديد الفيلسوف الفرنسي الراحل كليمان روسّي (1939 – 2018) كتاب بعنوان “الفرح أعمق من الحزن”، يضم ثمانية من جملة الحوارات الخمسة عشر التي أجراها معه ألكسندر لاكروا، رئيس تحرير “مجلة الفلسفة” ما بين 2006 و2017. ويكتشف فيه القارئ نظرة روسّي إلى مجموعة من الفلاسفة أمثال أفلاطون ونيتشه وسبينوزا وهايدغر وبرغسون، مثلما يكتشف دفاع الرجل عن واقعية مطلقة، راديكالية، فلا شيء موجود في اعتقاده غير الواقع. وهو يُقبل على هذا الواقع في شتى حالاته، حتى وُصف بكونه فيلسوف الفرح والتراجيديا، دون أن يكون متشائما. ومن أقواله الشهيرة “كل شيء ضاع، لنفرح” أو “لنطمئن، كل شيء على غير ما يرام”، التي كان يطلقها كعلاج لهذه المرحلة المسكونة بالحيرة والجزع، وينصح الإنسان بأن يبقى فرحا رغم وضعه ككائن منذور للفناء، وأن يكون قادرا على معانقة وجوده بمرح ليبلغ مرتبة الحكمة والسعادة، وعلى استبعاد كل داع لليأس.