صناع الأعالي
استيقاظ
أستيقظُ على باب الجحيم سكراناً من الأسى
من هذه الدودة العمياء التي تأكلُ ماضيَّ
بدليل اليد المبذولة
وهي تُطعمُ الحمامات
وتستنطق أرملةَ الريح.
أستيقظ في كلّ مرّةٍ
أمام قطعة الصمت
ناسياً ذراعي المشلولة في العراء.
الملاكُ لا يُصغي لغناء الوعول في الليل،
وحدها الساقية توزّعُ للضيوف خمرةً في خرائب المدينة.
لكن هل أنا آخر الآتين إلى باب الجحيم،
مترنحاً كمن يبحثُ عن سرير الله في الأعالي.
نفْس المكان
مرّة أخرى نأتي إلى نفس المكان
حيث ترسو القوارب أمام غضب الأمواج،
مرة أخرى نستفيقُ
كأن ماضينا مسوّرٌ
وأننا نجازف اذا تجاوزنا الجدار.
بأيدينا، بأنفاسنا نصنع الألم حتى لا يراهُ أحد.
أعرفُ أننا لن نموتَ
أنتِ وأنا بين خاتم النعاس
بعد أن رمينا التيجانَ إلى الملوك
لأنها ثقيلةٌ وخاليةٌ من الأسرار.
لنجعلَ من الأيام تلد أخرى
حتى يضربَ العُقابُ بجناحيه الكبيرين الآفاقَ
وهي تنتظر قدومنا.
يأتي الصوتُ مفتولاً كالحبل
ليخبرنا أن صبيّاً قتلهُ
القنّاصةُ وأن فتاةً توزع المناديلَ
سُفح دمُها على مرأى الجميع
مرةً أخرى نأتي إلى نفس المكان.
خشب الطفولة
لا، أنا لستُ من هنا،
كنتُ فارساً يخطف صبيّةً
على حصانٍ من خشب الطفولة ثم متُّ.
اذهب واطرق ذلك الباب
سيأتي إليك الصوتُ
لك وحدكَ من وراء القبر
لأنّكَ أتيتَ
لترى القطعة النقدية المحمولة بالهواء
وهي تسقط فوق طاولة الكتابة.
أجل إنه قرش ماري تيريزا الفضيّ
اذهبْ وخذه،
كنتُ أشتري به الآفاق قبل أن يولدَ العالم
لكنَّ الألمَ خاطفٌ في اجسادنا
ولا يمكن ترميمه
ثم أن المسافةَ بيني وبينكَ
تحملها عاصفةٌ وشيكة ستحتالُ عليك.
سيأمركَ الصوتُ لتصغي إلى ڤيڤالدي،
الفصول الأربعة
وعندما تحتار كأنكَ مضروبٌ بحربةٍ
في الصدر ستقول.
لا، أنا لستُ من هنا
كنتُ فارساً يخطف صبيّةً
على حصانٍ من خشبِ الطفولة ثم متُّ.
هنا والآن
لن تموتَ اللحظةُ حتى لو سافَرتْ
حتى لو قيل لي أنها تغادر
ولن تعودَ
فأنا أعرف
أنها مشدودةٌ بحبلٍ سريّ
يربطها بهنا والآن
كي نعيدَ معاً غزالةً إلى غابة
ثم نزرع عظام الميت فوق المنحدر.
كما لو كانت نبوءة في فم الأفعى
تظهر اللحظةُ لتكشفَ مصير
الارتحالات الكبرى.
يمسحُ العالمَ حفيفٌ من الأشياء الصغيرة
كأن شيئاً لم يحدثْ
من قبلُ ومن بعد.
في رأسي حالة من الدوار الخفيف
هل هو الأسى
يذكّرني بطفولتي،
الحجر الذي يسدّ الأبواب في الليل
بينما تخفقُ الرايةُ فوق جبلٍ بعيد.
إيروتيكا
هذا ما أردتُ،
هذه اللعبة السريّة المأخوذة من السفوح والسهول
من الأعشاب النابتة بين فخذيكِ
حيث يدور اللسانُ
على شكل لولبٍ
ضائعٍ بين الأنفاس
وهو يقبض نتوءاً صغيراً
يهرطق بين الطبيعة أو فوق السرير.
لن يقرأَ أحدٌ الظمأَ المتبادل في الرواق الاّي
تحت أضواءٍ خافتةٍ
كأنما الجوهرة تتفتح
لتشعَّ على عالم بأكمله.
الجسدُ من فرط النشوة يتلوى
مثل المحموم
وكلما استدارت العينُ
عرفتُ أن النورَ قادم من ألف سنة
متوّجاً بالزهرة والسرخس.
على باب الكهف
أتركُ المياهَ تتدفق بعيداً عن أعين الآخرين.
استذكار متأخر
هناك أصوات أتيني على ظهر الأبدية
أقاسمها حياتي.
أموات يبيعون الجمرَ والصراخ لليالي
القادمة في فصل الثلوج.
لا أعرف أن أسمّي ظلالَ من دخلَ إلى الغرفة.
هل العائلة لاتزال حيّةً،
هل أنا رجل وحيد وأعمى.
أذكر أنني كنتُ شاباً يسافر في
منتصف الألم تتلقفُهُ جهات العالم كلها.
لا بدّ أنني أضعتُ المفتاحَ في مكانٍ ما
في الطريق.
لا بد أنني أضعتُ ما كنت أترجّاه بالأمس.
يقول الأصدقاء: ها هي Batumi على مرأى
حجر جرّبْ هذا جرّبه إذن إذا أردتَ
لعينيك أن تستفيقا على إيقاع رقصةً
بيضاء مرشوشةٍ بالملح في البحر الأسود
وأنت تركعُ أمام آثار الليالي
كما لو كنتَ يوليسس يعود بسيفه اللامع إلى إثاكا.
الضيوف
يأتي الضيوفُ رجالاً ونساءً إلى بيتي
حاملين معهم غبارَ الأبدية،
موسيقى التانغو تعذّب أقدامهم بعد السكر.
يلتهبُ الجوُّ بسبب الرقص حتى تتراجع الكلماتُ
إلى الخلف وتضجَّ الصالةُ بكاملها كأنَّ
انفجاراً هائلاً قد يقع في أيّ لحظة.
أستطيع أن أرى عبر المرآة امرأةً وحيدة
وصامتة كما لو كانت تحلم بأصواتهم
التي ذهبتْ بعيداً.
هل هو الملاك الذي يحرسُ البيتَ عندما
يُشرق الموت من نافورة الحديقة
أم أنا رجل ثملٌ يرقص في ساحة الاوبرا في باريس.
من هنا أو هناك يعودُ الكائنُ ليصغيَ
ليصغي فحسبْ إلى دورة الأفلاك
قبل أن يلتحقَ بالحافة أمام نظر الراقصين.
بغداد
سنسلكُ معاً هذا الدرب من حافة
الباصات حتى معقل النجوم.
انظري
ها هي الحانة التي رقصنا فيها بكؤوس
النبيذ والغبار يتصاعد إلى الأعلى.
هناك أطلقت الرصاصات على شباب الحيّ
الجميلين.
أمسكي يدي بقوة
بعد قليل سنجتاز السياج
يقال إننا ولدنا هناك في أطراف الغابة
في مشتل أو بيت الأيتام. من قال هذا:
العسكرُ، مهمو القنابر والصيارفة أمسكي
يدي بقوة. صدري العاري وصدرك العاري
بحلمتين واقفتين سنأخذ اللؤلؤة.
شتاء
أحتاج إلى صدْفةٍ يتلاشى النهار فيها
ويلقي بردائه إلى الأعالي.
لا بأس إذا أتى
البرقُ من يدِ الريح فأنا رجل يشرب في
الحانات الأرضية وهي تمتثلُ لصيحات
القراصنة في آخر الليل.
أشربُ بنظرةٍ أو تحديقة ميدوزا وجسدي
يرتمي إلى الخلف أمام موجةٍ نهريةٍ
جمّدها الصقيع لكنّ دخاني يعود حاراً من
لسان النار الذهبية حتى تهتزّ الأرض
وتدور دورةً كاملةً ثم اسمع الصرخةَ
الأخيرة من آخر العالم.
تلك هي الصُدفة ذلك كل ما أحتاجه في هذا الشتاء.