قصتان
زمن الكورونا (2)
مخلوق عجيب أبهر الجميع؛ ثلاثة رؤوس أرهقت كاهل الجسد لعقد من الزّمن. أرادها متكاملة تغذّيه. فإذا بها تمتصّ دمه وتتضخم تتنافر، تتباعد، تفكّ عراه.
انسلّ من تحتها وتركها أكرا تتراقص في الفضاء. أبحر شمالا بحثا عن رأس جديد. أشفق على الجسد المهاجر (تاج) اعتمره يعيد توازنه. عاد إلى الوطن متوّجا. أنكروه فاعتلّ. انفضوا من حوله فاعترته الحمى واختنق خوفا.
ناداه من فوق جلدة أن تشجّع.. “مزّقت علّيسة جلد الثور فصنعت حضارة.”
استوى صلبا وخطب في الناس بثبات:
– “هذا التاج فاعتبروا، فإما حياة وإما فناء”. ثم غاب.
تراكض القوم فزعين، ما كان سوى سراب.
قال جمع “اتجه شرقا…” وقال رهط آخر “انحدر جنوبا..”
عمّ الهرج البلد، وما زال البحث مستمرّا.
[2] الكورونا: la couronne: التاج
شهيد تأخر في السقوط
غافلت الطاقم الطبيّ ودخلت غرفة الموتى.. كان على حامل طبيّ يفترش الأرض. الأسرّة كلّها مشغولة.
جلست على الأرض، وضعت رأسه في حجرها. غمزها منذ ساعات باسما. ثمة خبر كان يريد أن يسرّ به إليها. قرّبت أذنها من فمه تستطلع الخبر. نزلت دموعها حرّى على الجبين المثلج. رائحة الموت غريبة خدرتها فأنستها المكان. احتضنته تتحسّسه علّ دفأها ينتقل إليه فيتكلّم. تعثرت أناملها في تجويفة قرب الشظيّة اليمنى. كانت آثار رصاصة منذ معركة الجلاء.
سحبت أطرافها من الجسد الثلج، وقفت في جلال، ضمّت أصابعها اليمنى وأدّت تحيّة عسكريّة لشهيد تأخّر في السّقوط.
تسلّلت خارجا تحمل رائحة الموت.