التفاوض مع الذكورة
شاع مصطلح التفاوض لدى منظري الدراسات ما بعد الكولونيالية – وعلى رأسهم: هومي بابا وجياتري سبيفاك – للتعبير عن محاولات المرء تعدیل شيء فُرض علیه لأنه مرغم على البقاء معه ولا یستطیع قطعه تماما، حيث يتيح التفاوض، بهذا المعنى، أشكالا من الاعتراف المتبادل بين الذات المهيمنة والذات المهيمن عليها، وتسمح بالالتقاء بينهما رغم الاختلافات التي تبدو غير قابلة للحل. وقد استخدمت الباحثة النسوية البريطانية دينيز كانديوتي – المتخصصة في مجالات العلاقات بين الجنسين في الشرق الأوسط – هذا النموذج للتفاوض مع الهيمنة الذكورية التي تواجهها النساء بالأخص في مجتمعات العالم العربي والإسلامي، حيث تستخدم المرأة “التفاوض” كوسيلة لمقاومة المركزية الذكورية وطرح بدائل تمكنها من تحقيق ذاتها في مجالات أخرى لكونها مرغمة على الخضوع لذلك النظام الأبوي في بعض المجالات.
بروز النساء في بعض مجالات العمل العام وفق طرح “كانديوتي” قد يرافقه بقاؤهن مقيدات بالتقاليد الخاصة التي يفرضها عليهن المجتمع الأبوي/ الذكوري خاصة داخل حدود الأسرة، وتختلف تلك القيود باختلاف ثقافة المجتمع وما يتيحه من سياقات تحرّر للمرأة، ولذلك فالمتفاوضات مع أشكال السلطة الذكورية يحاولن الحصول على حقوقهن التي تظهر بوصفها حقوقا قابلة للتفاوض.
من هذا المنظور، ترتبط حقوق النساء في بعض المجتمعات بقدرتهن على مقاومة التبعية الذكورية واقتسام السلطة معها، بعد أن تبلور وعيهن بضرورة خلق مساحات مشتركة بين الرجل والمرأة، في الوقت الحالي، لصعوبة التخلّص التام من اشتراطات الثقافة الذكورية والوصول إلى الإصلاح المرغوب. ولكن هذا التفاوض جعل النساء يخضعن في بعض الأحيان – كما تؤكد “سيلفيا والبي” – ليس فقط للأبوية الخاصة (داخل الأسرة) إنما أيضا للأبوية العامة (بساحة العمل).
إلا أن هذه الاستراتيجية قد أجبرت بعض النساء على الامتثال للطاعة الذكورية وقبولها – ولو بشكل مؤقت – مقابل الحصول على مزيد من الخيارات التي تحقق لهن طموحهن الخاص بعيدا عن الإطار الأسري اليومي الذي يحكم الذكر (الزوج – الأب – الأخ) السيطرة عليه، ورغم أن هذا التفاوض قد يمثل لدى النساء خطوة مرحلية مؤقتة يمكن التكيف معها في سبيل الوصول إلى التغيير الجذري المأمول، فإن التحذيرات من مخاطر هذه الاستراتيجية تكمن في أنها تجسّد مسار القوة المؤقتة التي توحي بضعف المرأة أو عجزها أن تكون ندا للرجل أثناء المطالبة بحقوقها.
ولذلك فإن التفاوض مع الذكورة “قد يظهر كمرحلة طبيعية أو كمرحلة أزمة” وفق التأثيرات اللاحقة للمرحلة، التي قد ينتج عنها استسلام النساء لهذا الواقع وتوريث هذا التقليد من الامتثال إلى الأجيال اللاحقة من الفتيات في ظل مبررات مجتمعية – يرعاها الذكر أساسا والأنثى أحيانا – تضمن التبعية النسوية وتشّرع الحماية الذكورية، أو قد ينتج عنها في النهاية التوزيع العادل للأدوار بين الرجال والنساء في المجتمع وتحسين خيارات المعيشة التي تصنع النسيج الاجتماعي لحياتهما معا.
نساء في ظل قوانين الذكورة
تطرح رواية “روثمان أزرق” للكاتبة المصرية آمال الديب الصادرة في طبعة ثانية عن دار دريم عام 2020، خطابا نسويا يبتعد عن الافتراضات النسوية النابعة من المركزية الغربية، ويقترب أكثر من وضعية النساء في المجتمعات العربية التي تحاول فيها المرأة التكيف مع ظروف مفروضة، بجوار النضال من أجل الإبقاء على هويتها الأنثوية كوسيلة لتعيين الذات. وهنا تجسد الرواية الكيفية التي تحاول بها المرأة التفاوض من أجل اكتساب مزيد من تقدير الذات وتحسين الأوضاع المعيشية ضمن إطار هويتها الجندرية وسياق علاقاتها المجتمعية.
تسرد الرواية حكاية امرأة عاملة، أرملة وأم لطفلة، تمر بتجربة حب تجمعها برجل متزوج ينجم عنها حمل ثم إكراه على إجهاض الجنين بعد مطالب متكررة من المحب، ليعقبها فترة حاسمة من التحولات التي تنتاب علاقتهما، واستمرار تفاوض المرأة – رغم ذلك – مع الوضع المأزوم واختلاقها مبررات تتحدى الظرف وتسمح بالالتقاء بالرجل مرة أخرى رغم خذلانه لها ومواقفه السلبية معها.
يلتقي القارئ بأول أشكال هذا التفاوض بداية من العنوان الذي قام بدور المحفز الرئيس لاستنطاق النص، فـ”الروثمان الأزرق” نوع من ماركات السجائر التي اعتادت الحبيبة توفيرها لصديقها حتى لا يشعر للحظة معها أن شيئا ينقصه، فالرعاية الأمومية التي تعطيها له طوال الوقت بدت لها الضامن الأوحد لسطوتها ولبقائه في آن، وهو ما يحيل إلى الخطاب الذكوري الشائع حول ارتهان ما يقدمه الرجل للمرأة بمقدار ما تمنحه له من تدليل وما تبذله لأجله من تضحيات.
وبمرور السرد، تكسر الكاتبة آلية الانحياز للصوت النسوي المتبعة في أغلب سرديات المرأة التي تفرد المساحة النصية للبطلة كي تمتلك وحدها سلطة التمثيل والصوت والمنظور، فتفسح المجال للصوت الذكوري الذي يسرد عوالمه الداخلية والخارجية ويكشف عن وقوعه – هو أيضا – ضحية لبعض الأعراف المجتمعية رغم تورطه في الأزمة. وهنا، يمكن القول إن استحضار صوت الرجل جاء لإثبات صوت المرأة، ولم يلغ أيّا منهما الآخر، فتوزعت مركزية السرد بينهما تماشيا مع النسق التي أرادت الكاتبة تمريره؛ وهو احتياج كل طرف منهما للآخر حتى في ظل الشروط الاجتماعية غير المنصفة بين الرجل والمرأة.
فإذا كان صوت المرأة بالرواية قد سمح لنا بالاطلاع على أزمة واقعها بعد أن أيقنت أن الرجل/المجتمع لم ينصفها، وكشف لنا ما تعانيه من تبعات نفسية واجتماعية، فـ”البنت التي كنتها منذ زمن بعيد تغيرت ملامح روحها.. صارت أكثر نضجا.. ربما، أو أكثر واقعية، أو حتى أكثر تجلدا.. وربما شاخت وتكابر ما زالت! لا شيء يبقى على حاله، ولا حتى أرواحنا، بل لا سيما أرواحنا! تراودني الرغبة في أن أهرب لبعض الوقت مما أنا فيه فأحبك في خيالي، لكنني ما ألبث أن أفيق على وجع بروحي يتصاعد كنفثات دخانك الشره، حين تشعل السيجارة من الأخرى!” (الرواية،ص 12).
فإن صوت الرجل – من موقعه السردي – جاء ليستنطق الثقافة الأبوية ويعري تحيزاتها الأيديولوجية، فيؤكد خطاب الذكورة تناقضاته الشعورية/الفكرية تجاه المرأة، التي “ربما هي لا تعرف أنني أعاقب نفسي قبل أن أعاقبها على هذا الخطأ الشنيع الذي تورطت فيه، لو كانت ظروفي مستقرة وأستطيع أن أكون إنسانا طبيعيا لتزوجتها، لم أكن أبحث عن سعادة أكثر من تلك التي عشتها بين يديها… أعترف أنني لا أطيق أن أضع أصابعي على بطنها التي كانت تحمل ابني وأنني من أجبرتها على التخلي عنه.. كيف أتلذذ بالنظر إلى عينيها وأنا أضاجعها إن كنت أعرف تمام المعرفة أن ابني ذا الذي اشتركنا في قتله يختبئ هناك بين هذه الجفون؟!” (الرواية، ص ص 58، 59).
فتتساوى لدى الكاتبة الثقافة الذكورية المتسلطة مع السلطة الحاكمة في مظاهر الاستبداد، فالتجربة الإنسانية في مجملها خاضعة – بشكل ما – لهيمنة أعلى تمارس قهرها على الأفراد – رجال ونساء – الذين يحاولون التحرر والمقاومة كل بطريقته. فمثلما اتضحت أدوات الإكراه والتسلط في تجربة الإجهاض، نراها جلية كذلك في إحكام السلطة على المعارضين وفرض الوصاية على آرائهم، فأحد شباب العائلة يتم اعتقاله لاعتراضه على التفويض رغم عدم خروجه عن مبادئ التظاهر السلمي، لتتساءل عن مصيره غير المقيد بالتجربة الفردية بل يتعداها ليصل إلى المجموع “هل هو عام من عمر ذلك الشاب ضاع وراء تلك القضبان، وذنبه أنه قرر أن يعترض على التفويض بالقتل، حتى لو كان مخطئا فليس هذا هو عقابه المناسب.. ليس لهم أن يحرموه من أبسط حقوقه في الاعتراض بسلام” (الرواية، ص 72).
نساء ضد النسوية
يشكك الخطاب النسوي بالرواية في مدى مشروعية مقاييس النسوية الغربية ومواءمتها للسياقات الثقافية والاجتماعية لقضايا المرأة المنتمية إلى ثقافات العالم العربي، فالنسق المضمر بخطابها يعترف بالنضال من أجل حقوق المرأة ودعم إنسانيتها دون تحيز أو قيد، ولكنه لا يؤيد النسوية الغربية المعاصرة التي لا تعكس تجارب النساء جميعا، وربما تؤدي للانقسام بين الرجل والمرأة، فهي ترى أنه على النساء والرجال توحيد قواهم لتحقيق المساواة الحقيقية.
ولذلك تفصل الكاتبة بين استقلالية المرأة وحاجتها – أحيانا – إلى الحماية، وتعلن قبولها لأن يتحمل الرجل (ابنا أو زوجا) مسؤوليتها المعيشية في ظل صعوبة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، فهي تفاوض في جزء من شروطها النسوية التي قد لا تخل بمقاومتها للهيمنة الذكورية، مقابل التخفّف من بعض ضغوط الحياة والحصول على الأمان الاجتماعي ولو كان برعاية ذكورية.
من هنا تبرر الساردة لنفسها حاجتها لمولود ذكر يرعاها وابنتها في المستقبل، ويكفل لهما – بشكل ما – الأمان المادي والاجتماعي. ولا يمكن أن ننظر إلى ذلك المنحى بوصفه نوعا من “النسوية الذكورية”، وهي التهمة الجاهزة الموجّهه للخطاب النسوي المغاير للخطاب النسوي الرائج، بل هو في الأساس موقف إنساني يبرز ما تعانيه المرأة بسبب هويتها التقاطعية كأنثى، وكعاملة متوسطة الحال، وكأم أرملة تعيل أسرتها، في مجتمعات لا تكفل في الغالب الفرص المتكافئة للنساء وللرجال.
فالمعلن من الخطاب السردي هو الرغبة في إنجاب ذكر يكون هو “الحامي” و”المعيل”، والمضمر هو ما يمكن تأويله بعدم منحه صلاحيات أو مزايا تزيد من سلطته الذكورية أو تبرر تراتبيته النوعية “الليالي العشرون التي كانت عمر علاقتي بجنيني بعد أن شعرت بوجوده غيرتني كثيرا، وبخاصة أنني كنت أوقن أنه ولد، لم يكن مجرد إحساس، بل كان ذلك يقينا يتلبسني… كنت شغوفة بذلك الإحساس الرجعي تماما وسعيدة به، أن يكون لي ولد يحميني وابنتي حين أبلغ مرحلة الضعف المحتومة، يحمل عني بعض ما يثقلني، بل ويذكرني دوما بأبيه” (الرواية، ص 42).
وفي هذا السياق، تُحمّل الكاتبة النظام المجتمعي بأكمله مسؤولية قهر المرأة، وتشير في نسيج سردها إلى أن تحسين وضعية النساء في المجتمعات العربية يرتبط في الأساس بالإصلاحات التي يجب أن تمس المؤسسات الاجتماعية والسياسية، وبالتغييرات التي يستوعبها الخطاب الديني فيما يخص المرأة، فالنضال من الأحرى أن يكون موجها ضد الفقر والمرض والجهل والعنصرية، وغيرها من مفاهيم تغيّب العدالة الاجتماعية بين أبناء المجتمع.
لذلك تكشف الساردة، عبر مونولوج بوحي مكثف، إحساسها بالظلم الاجتماعي وصعوبة مواجهة تبعاته منفردة، منتقلة إلى صيغة الجمع – وليس المفرد (الأنا) – من ضمير التكلم، لتنسحب عائدية التجربة الذاتية على جميع النساء اللائي يتعرضن لإخفاقات مجتمعاتهن وأنظمته الثقافية، فتُضمّن – بالتالي – ذاتها داخل الأنا الجمعية النسوية “حياتنا الخاصة مزيج من القهر والعبث، ووطأة الإحساس بالقهر.. أين العدالة في احتمال المرأة وحدها عواقب كل علاقة بالرجل؟ سواء كانت زواجا فاشلا أم علاقة مفتوحة أو حتى علاقة عابرة؟ ثم نتشدق بأن هناك مساواة؟ أين هي؟”. (الرواية، ص 97).
كتابة الجسد الأنثوي
أتاحت عملية التفاوض للكاتبة تمثيل جسدها خارج نمطية التعبير عن “أزمة الجسد الأنثوي”، ففي هذا المستوى من التمثيل تبدو الكتابة الروائية عن الجسد بعيدة عن تصوير التشييء الجنسي لجسد المرأة والتركيز على تبعيته للرجل. لذلك يبدو الجسد الأنثوي في النص متعالقا مع الجسد الذكوري، بما يتوائم مع رؤية الكاتبة القائمة على تكريس “احتياج” كل طرف للآخر دون تمييز أو سيادة.
فكانت كتابة الجسد – من هذا المنظور – أداة تؤكد بها الساردة مشاعر الانفصال/الاتصال التي تحكم العلاقة الحياتية بين الرجل والمرأة، وتبرز التجاذبات اليومية التي تأرجح كل منهما بين الانجذاب والنفور في علاقته المركبة مع الآخر “حين ألتقيه سأكون في كامل أناقتي، فلا بد من فرصة مغايرة كي أفعل، سأترك الماء الساخن حد التبخر يتخلل كل مسامي، ويتراقص مرتعشا كسرب من النمل ينقل مخزونه الشتوي في صفوف متلاحقة على جسدي. كم فتنني الإحساس بأنوثتي بين يديك، حتى صرت أتلذذ برعونتي تحت زخات الماء… سأزيل كل شعرة زائدة بجسدي، وأسكب من كل أنواع العطور التي يكتظ بها درج الكومود على رقبتي وتحت إبطي وفوق سرتي حتى ترتوي كل مسامي تماما”. (الرواية، ص 18).
ولذلك فرضت حالة التجاذب السماح للرجل بتمثيل سلطة الجسد الأنثوي عليه، على خلاف النسق النسوي التقليدي الذي يهمين عليه صوت المرأة في سرد حكاية الجسد بهدف كشف سياسات الهيمنة الذكورية، ليعكس الخطاب الروائي وعيا مغايرا بشأن جسد المرأة وتداعياته الوجودية على الطرفين “الغريب أنني لا أجرؤ أن أذهب إليها، وأخشى أن ألتقيها.. لم أضعف أمام أنثى مثلما حدث معها، أكون مقررا فيما بيني وبيني أنني لن أضعف أمامها، وحين أسمع صوتها أو أراها في أحد الأحلام أشعر بالرغبة الجارفة في احتضانها، بل وفي مضاجعتها أيضا” (الرواية، ص 116).
فلم ينشغل الخطاب الروائي بتكريس أزمة الجسد الأنثوي – سواء على المستوى البيولوجي أو على المستوي القيمي – فابتعدت الحكاية عن منطق التقابلات الثنائية النمطية (الرجل/الجاني – المرأة/الضحية)، وتمثلت إدانة الممارسات القمعية ضد جسد المرأة – وعلى رأسها الختان – بأسلوب سردي سلس دون الحاجة إلى ترديد صوت ثائر أو مشحون بالغضب، فكان تأثيرها أبقى وأقوى على المتلقي: “في الصباح وأنا أحمّم صغيرتي قالت لي: يا ماما فيه واوا في البيبي. لاحظت احمرارا زائدا في فرجها الصغير، فدهنته لها بكريم مرطب، ورأيت تلك الأخرى القابعة في رقعتي المدورة تقول لي: على الأقل تستطيعين حماية ابنتك من ذلك التشوه النفسي الذي تسببوا لك فيه، معتقدين أنهم هكذا يقللون شهوتك، وهم في الواقع أشعلوها نارا، الختان الذي يزعمون أنه يقلل من رغبة المرأة يجعل فم شيطانها كبندول ساعة لا يكف أبدا عن الاهتزاز، ودائما يرغب، ومرات وصوله أقل كثيرا من تلك التي لم تتعرض للختان، ومهما وصل فهو يرغب في المزيد، والمزيد، فمخطئ من يظن أن ختان المرأة يحل أي جزء من المشكلة، بل هو يعقدها أكثر”. (الرواية، ص 84).
كما جاءت الأمومة شعورا روحيا وبيولوجيا غير خاضع لاشتراطات العقل، فلم تمل الكاتبة في نصها إلى تجسيد الصراع بين دور المرأة الخاص (الأمومة والإنجاب) ودورها العام (العمل والدراسة)، بل جسدت السلوك الأمومي بوصفه غريزة فطرية لا تتعلق بظروف الأم أو تجربتها الخاصة في الحياة، ولذلك جاءت تمثيلات الأم/الأمومة في النص بصورة غير نمطية، حيث اكتسبت مفهوما يرتبط بالاحتياج الذي يتساوى فيه الرجال مع النساء بعيدا عن الحديث عن تمثيل “مخاطر” الأمومة التي تتحملها المرأة وحدها كما يردد النسويون الراديكاليون، ولكن الشخصية – في مسار تفاوضاتها المستمرة – استجابت للقمع الجسدي/المجتمعي وتخلت عن ذلك السلوك الفطري بإجهاض الجنين رغم رغبتها في الاحتفاظ به.
وأخيرا، استطاع الخطاب السردي في رواية “روثمان أزرق” أن يكشف عن محاولات المرأة في بعض المجتمعات الشرقية للتفاوض من أجل انتزاع المزيد من حقوقها، مع مراعاة احتياجاتها الخاصة ووعيها بعدم تمكين النساء حتى الآن، وتقيّدهن – رغم محاولات التمرد الخافتة أو “العتاب الأخرس” وفق تعبير الكاتبة – بتقاليد ذكورية ونظم اجتماعية تأبى تحقيق المساواة الجندرية العادلة، فجاء قبول المرأة لبعض المعايير غير المنصفة خطوة تمهيدية لتعديل الأدوار ولاتخاذ قرارات – ولو تدريجيا – تتعلق بتحسين وضعها وتجنب المواجهة المباشرة التي لا يمكن التنبؤ بنتائجها.