مستقبل أدب الخيال العلمي العربي
قدم المسعودى في كتابه “مروج الذهب ومعادن الجوهر”، وقص عن الإسكندر الذي سعى إلى اكتشاف قاع البحر.. حيث كانت المغامرات الغرائبية والمثيرة، مما يشي بخيال أدبي طموح، وﺇن لم يصنف هذا اللون من الكتابة بمسمّى ما.
كما أن القزوينى تحدث عن “عوج بن عنق” الذي جاء من كوكب آخر، وشرح قضية الحياة على الكواكب الأخرى.. وأفاض عن تلك الحياة التي لا يمكن أن توصف إلا بقدرة الكاتب على الانفتاح الخيالي إلى آفاق غير معتادة في حينه.
مع ذلك عرض الباحثون إلى أن لأدب الخيال العلمي جذوره في التراث العربي. فقد تحدث الفارابي أيضا عن المدينة الفاضلة، وهي الفكرة التي تناولها توفيق الحكيم في عمله “في سنة مليون”، وصبري موسى في ” السيد من حقل السبانخ”.. وقيل أنها سبقت سفر دانتي.
وغيرهم كثر في التراث العربي ممن سجلوا وأبحروا بخيالهم، فيما يمكن أن نطلق عليه الآن بشائر أدب الخيال العلمي العربي.
كان ميلاد أدب الخيال العلمي خلال العصر الحديث تعبيرا ﺇنسانيا ولو من باب الخيال المحض حول الطبيعة وتجاوز معوقاتها. فولد ذلك النمط الجديد للتعبير عن محاولة الإنسان استلهام العلم ومحاولة تجاوز الواقع لاستشراف المستقبل.
قدمت د. مها مظلوم تعريفا لرواية الخيال العلمي بما نصه “هي رواية مستقبلية تقوم على الحقيقة الثابتة حينا أو المتخيلة عن جانب مجهول من الكون والحياة حينا آخر، شخصيتها اسمية أو رقمية غير مكتملة الهيئة النفسية والجسدية، تنقل زمان الخطاب الروائي – المسرود في الغالب – إلى زمان مستقبلي أو استرجاعي متوهم، وإلى مكان خيالي، أحداثها مشوقة ومثيرة تدفع إلى التفكير في نتائج هذا الخيال المقنّن والموظف، فتقدم حلولا مستقبلية يجب أن تكون عليه في ظل التقدم العلمي المتسارع، كذلك تقدم محاذير لنتائج تلك النظريات العلمية إذا أسيء استخدامها دون حساب النتائج، عنصراها العلم والأدب”.
بدأت الرواية العلمية في العالم العربي خلال فترة الستينات من القرن العشرين. وهذا التاريخ يتجاهل بعض المحاولات غير المتعمدة لبعض الكتاب من قبل. كما عند الكاتب توفيق الحكيم في بعض قصصه القصيرة والمسرحية، وكذلك يوسف عزالدين عيسى في مجموعة من التمثيليات الإذاعية.. وغيرها.
خلال الستينات كان الوعي وإرادة الكتابة في الخيال العلمي هما السمة، وليس من باب التجريب والعرض. فقد كتب د. مصطفى محمود رواية “العنكبوت” عام 1965، و”رجل تحت الصفر” عام 1967م.. ثم “نهاد شريف” في روايته ” قاهر الزمان” عام 1974، و”سكان العالم الثاني” عام 1977، و”الشيء” عام 1989، ورواية “ابن النجوم” عام 1997.
كما كانت هناك العديد من الروايات بقلم صبري موسى، وايهاب الأزهري، وأميمة خفاجي.. وغيرهم من الأجيال التالية: رؤوف وصفي – السيد نجم – صلاح معاطي..
ربما يمكن عرض مجمل الأفكار (أو أغلبها) التي تناولها كتاب الخيال العلمي في العربية. منها: الأطباق الطائرة وتأثيرها.. علاج بعض الأمراض الاجتماعية.. فكرة التناسخ.. نقد تأثير النظم السياسية على الأفراد.. تطور الهندسة الوراثية.. فكرة الخلود.. فكرة الحياة الأفضل أو يوتوبيا المدينة الفاضلة.. الحلم بحضارة مختلفة.
إلا أن هناك بعض الأعمال التي تتناول فكرة “السلام” والحلم بمجتمع عالمي آمن.. أو هي فكرة “السلام المطلق”. كما وضحت في رواية ” سكان العالم الثاني” للكاتب نهاد شريف.. وفيها يشير الكاتب إلى السلام المرهون بالقوة، وأنه يرى عدم إمكانية تحقيق السلام إلا بالقوة، وليس برغبة الأفراد والشعوب فقط، ولا حتى الحكام.
في قصة قصيرة “رقم 4.. يأمركم” للكاتب نهاد شريف، يبرر الكاتب تدمير “أتلانتس” الجزيرة التي هوت في المحيط، تلك التي سقطت وتلاشت لم يكن ذلك إلا بسبب الصراع الداخلي. لكن مخلوقات كوكب المريخ يعتقدون بفناء كوكب الأرض كله وليس جزء منه (أتلنتس) إذا قامت حرب نووية وإذا زاد مخزون السلاح.
أما رواية “السيد من حقل السبانخ”، فالكاتب صبري موسى يعبر عن الخوف من السلام برؤية داخلية أي داخل مفهوم السلام، فيقول السيد “هومو”: أيها السادة إنكم تقتلون الأحاسيس الخلاقة في المواطنين.. إنكم تقتلون الحرية الشخصية داخل فكرة الانضباط.. وتعوقون الخيال الإنساني عن الانطلاق الجامح الذي تولد فيه العبقرية الخلاقة”.
ومسرحية “عائلة السيد رقم 1” للكاتب صلاح معاطى، فيها تخيل الكاتب حياة جديدة للإنسان الآلي حتى وصل إلى مستوى عال من الأداء، بل من القيادة الإدارية بالمؤسسات الاقتصادية، ثم التفكير المستقبلي. فقد تعددت أجياله، واتصف بالانضباط السلوكي والنفسي، وشكلت مجتمعا أشبه بمجتمع البشر. فلما أصاب الوهن قواها الآلية، تفككت القيم وأصبح الجيل الجديد مناقضا للجيل الأكبر منه، في المقابل تحول البشر إلى خدم في هذا المجتمع الآلي الجديد.
رويدا شعر البشر بقهر الآلي، وبدأ يصرخ (الكاتب) من خوف سيطرة الآلة، وبدأت الدعوة للمطالبة بالحرية من قهر الآلة وسيطرتها.. إذن فقد الإنسان مجتمعه البشرى وقام المجتمع الآلي، قال خادم السيد رقم1 “ولكننا بالحب استعدنا مجدنا القديم”.
الأمثلة السابقة وغيرها تكشف أكثر ما تكشفه عن أن موضوع الحرب والسلام، والخوف من المستقبل هي من الموضوعات التي شغلت كتاب أدب الخيال العلمي كثيرا.
وعلى جانب آخر تشير إحصاءات القراءة في الأدب الغربي/الأوروبي الآن، أن منتج الخيال العلمي في الرواية يمثل أكثر من 30 في المئة من الكمّ الإجمالي للرواية.. فإذا ما أضفنا تلك الروايات التي تتناول الفورم أو الشكل المثير “الأكشن”، ثم الشكل البوليسي.. يمكن بالتالي أن نستنتج غلبة أشكال روائية جديدة، وقلة المنتج والمعروض من الروايات الإنسانية بالمعنى والشكل والتناول المتعارف عليه.. وهو الذي يسعى إلى أعماق النفس البشرية والعلاقات الإنسانية بين الفرد والجماعة.
وهو ما جعل البعض يعلن عن تخوفه من تلك الحقيقة، وبدأت تعلو بعض الأصوات لتعلن عن ضرورة مراعاة الجوانب الإنسانية والعلاقات الاجتماعية في المجتمع.
أما في العالم العربي فمازال أدب الخيال العلمي في مراحله الأولى، وكمّ المنتج منه محدود، ولا يمثل أيّ مشكلة، بل ندعو إلى الخوض فيه للأخذ من ميزاته التي هي مزيج من الانفراج الخيالي، والمزج بين الحقائق العلمية والحياة اليومية المتخيلة.