عدمية وفهلوة ومسرح عرائس
رأساً على عقب
كنّا ثلاثةً والشّيطان رابعنا يدير أوجُه الدّومينو
بدت زرقاء كأنّها الفراغ في تأهّبها للسّباق أو استعارة البهجة
تُشقلب رجليها فتثقبُ السماء بصرخةٍ
تفرط الحذر بمشرطٍ غير مباليةً بالنّزيف
ثم تفرد بصاقها على أكبر مساحةٍ من المرآة لترى تقاسيمها بوضوح.
صارت المستطيلات مخروطيّةً فانتبهنا للّصوص
أومأنا لِنعالنا بالانفلات والسماء والأرض فوّهتا بركان
صرتُ صليباً وانتصب صاحباي نصفين على المذبح
الآن أدرك أنّ جُلجلتي لم تنتهِ وأن مآلاتيَ حبلى بالبدايات
وأنّ صاحبيّ وتدان أحمران لخيمةٍ في صحراء التّيه
ولأنّ الأربعين استلبها القُطّاع
عادا يلوكان فجاجة الحقيقة ويجرّان الطّالع.
حطّ ابن جنّي أقراص العجين على الدّومينو كأنّما على رؤوسها الطّير
نلجم شفاهنا وحناجرنا وببطءٍ نصطاد النّمل بأقدامنا وأيدينا
نلصقُه علي الدّوائر السُّود ونسخرُ من الجِدّ والجِدة هكذا
تكْ تكْ تكْ تكْ تكْ تكْ تكْ تكْ تكْ
يساراً تتحرك عقارب السّاعة
يصيح المؤذّن بالخارج: “الصّلاة خيرٌ من النّوم”
للعقارب مقصّاتها ومداراتها
هذا السمُّ لن يجنح للعسل لكنّ صبحاً بالباب يبدّل قدميه متردّداً
وتكْ تكْ تكْ تبدّل الصّوت والخطّة أيضاً.
*-*-*-*-
مواقيت غول
لصوتك رائحةُ الغرباء إذا ما استبدّ بهم الحنين واصفرّت أحلامهم
وأزيز عربات النقل التي أنهكتها المسافات وتبحث عن كفّ سائقها الأول
وتُرّهات الصعاليك لمّا تغيض أسنانهم في قاع زجاجات الفودكا قبل وضح النهار
احضن صوتك وتعالَ كغولٍ لنستلقي على رملٍ ساخنٍ
نعيد صنع خريطة العالم ونقنّن الدراكولا ولو على مراحل
مثلاً الساعة الثانية عشرة جرعة الزلازل والبراكين
هذا الثلج سيكونُ ساخناً جداً في الظهيرة
ستتعلّق كلّ المسطحات المائية في الهواء
في الثانية قيلولتنا تحت البحار والمحيطات
وعلى شرفةٍ في النهر سندلّي رجلينا ونتقافز كالدّلافين
فتبرد سماء العالم تحت أرجلنا بينما يجري ريقانا كجعفرٍ ناشزٍ نحو الأبديّة
سنكون قريبين جدّاً من الله وتندلق ذبذبات أفكارنا بقوّة
لن نجهد أنفسنا بالدعاء والتوسل والأمنيات
في الخامسة سنتمطى كثعبانين فنخلع الأشجار معاً ونزرعها في مياهنا
ليصير حفيفها دافئاً وشهيّاً
عند الفجر ستنمو ركبتي مرّةً إثر مرّةٍ على صدرك
بينما أرزح في فكيك كسمكةٍ غادرت الماء وتتعلّق بما تبقّى من فقاعات الهواء
بصدىً تركوازيٌّ لا تبرح شطآن الشِّباك مجرّاتِ قيثارة
الأحواض لمّا تفيض والقاع يصفّف الحفيف والقوارير.
*-*-*-*
عُنق النهر
قلتُ كثيراً عن السّلام الرّوحي والإيجابية في تناول الأشياء
قلتُ كثيراً عن العدمية والفهلوة ومسرح العرائس
نظّرتُ كثيراً عن ضحالة خاصرة القضيّة واسوداد حلمة النّقد
هل الدّائرة شكل ألوهيٌّ لا يقبل العشيقات ولا الخلاسيات
وعلينا أن نَحُلّ وثاق عزائمنا ونتدلّى من البحر
ذلك الأرمل الذي يظنّه العصابيّون مثار الرذائل والحكمة في آن.
كنّا بطاريق لمّا طوينا عنق النّهر في مُدية
ركضنا غير مذعورين إلا من هواجسنا وأنانا العليا
قتلناه.. نعم قتلناه
لكنّه لايزال يومئ بقضيبه من شروخ الطّين المتهالك إثر حريق أكبر
ليته جدع أنوفنا وأخيلتنا ومرائينا وشبقنا قبل أن نستقلّ دورنا في قاطرة المقهى
ليس للتّبيان أن يفسر خيباتنا و لواذنا بمنكبي الحلم
هاتي مآقيك يا سمراء وخذي خواتمي وأقراطي وأسورتي
خذي رائحته التي تعُبُّ معدني وجذوري وذاكرتي
ليس لي الآن أن أبرح دخاني أو أن أَجمعه
لكنني سأُلهم التيّار أن يعبر بي لأفنّد هلوسات اليوتيوبيا
وأقصّ على الرّاوي مآل الأوديسّة بلا سيفٍ ولا لسان لاذعٍ ولا حتى شوكةً من “أزهار الشر”.
لم تلدهم أمّهاتنا
الذين لم تلدهم أمّهاتنا نكثّوا جديلة اللّيل في خضم الأحداث
وأسرجوا زيوتاً للأفئدة والأهازيج
هذه الطّريق ذئبةٌ مفخّخةٌ بالتجربة والمخابر
تلفّ أكياس الفضيلة لتزنّرَ عنق الواقع واجترارات التّركيع
تصطفّ البواكي أعوادَ بوصٍ في طريق زراعيّة
تبتهل للبهلوان ليحزِم الألوان والضفادع
يأبي الإسفلت أن يلين لعربة “الكارّو”
تتعثرُ بكلِّ من وما فيها
بينما النّصلُ منهمكٌ في معوّذاته ويمضي قدُماً.
سيجدي زمناً البكاء على اللّبن المسكوب
لن يأتيَ أو يلحق بنا
ذات يبابٍ يهزّ رؤوس النّخيل ويقْسم أنها قد أينعت
تترنّح الأرامل والمطلّقات في سراديب الذّكريات وجلد الذّات
ومحاكمِ الأسرة وصكوك الميراث
يشهد الحنظل الزّاعق في حويصلات اللّغة أنّ الزّمان، رديفَ المكان، أكذوبتُنا الكبرى
وأنّنا نغمد وعينا مراراً _مختارين_ دونما أسمالٍ ولا أوراق توت
ولأنّ الجزرة كانت من إسمنتٍ شطرت العصا أسداساً
فحلّت علينا لعنة العصاة ومتسوّلي عربات “المترو”
قد نوقن بعد حينٍ أن مرائيَنا ليست لنا
لكنّها أيضاً ليست لهم
ضيّعوها حين جزّوا ترابيس الأسرار والمخادع
ودفنّاها لمّا طأطأنا رؤوسنا مرّة.