أدب عبري حديث
اتسم الأدب العبري الحديث بأنواعه (الشعر/ القص/ المسرح) بسمة الانفتاح والتأثر بالآداب الغربية الأوربية سواء مع بدايات ظهوره في شرق أوروبا وغربها أو بعد انتقال مركزه الرئيس إلى فلسطين في مرحلة الهجرات، ويرجع ذلك إلى ارتباط أدبائه – بطبيعة الحال – بالتقاليد الأدبية الأوروبية التي نشأوا في ظلها وتأثروا بمساراتها قبل تعاقب الموجات اليهودية إلى فلسطين من ناحية، وإلى تبنّي اتجاهات الثقافة الغربية/الأوروبية كخطاب مركزي مؤسساتي في الفترة التالية لتأسيس الدولة من ناحية أخرى.
وقد كان للأدب العبري الحديث تأثيره الملحوظ في تجسيد الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للجماعات اليهودية في أوروبا، ومن ثم استغلالها كأحد المبررات الدعائية للحركة الصهيونية وطرح إقامة الدولة كمخرج وحيد لما يسمّى بالمشكلة اليهودية آنذاك، وذلك في إطار سيطرة التيار الالتزامي – كما صاغه الفرنسي سارتر في كتابه “ما هو الأدب؟” – الذي يعتبر ما يكتبه الأديب وسيلة لخدمة إيديولوجيا محددة وليس فقط مجرد أداة للمتعة الجمالية.
ومع استمرار تطور اتجاهات الأدب العبري الحديث بدأ بروز التيار النقدي/التفكيكي ضمن موضوعاته، والذي رأى أن وجود دولة إسرائيل لم يكن حلا لمشاكل الجماعات اليهودية كلها، وبالأخص في ظل فرض الهيمنة الصهيونية – الأوروبية على الأنظمة الاجتماعية والثقافية بالمجتمع، وتهميشها للآخر- اليهودي الشرقي أو اليهودي الأسود أو العربي الفلسطيني- ومحاولات صهره المستمرة داخل ثقافة غربية مختلفة عنه بدعوى الحفاظ على وحدة النسيج “القومي” الجمعي للدولة.
وانطلاقا من هذا التيار النقدي الداحض للمسلمات تطورت الدراسات الأدبية العبرية في اتجاهات بحثية مختلفة تعيد قراءة الواقع المجتمعي وتنتج تفسيرا جديدا لخطابه الثقافي الذي تأسس خلال عقود ماضية، مما أدى إلى بروز مظاهر التجديد بهذه الاتجاهات والتي لم تمس النتاج الأدبي فحسب، بل أنتجت كذلك وعيا خاصا بحركة النقد الأدبي الذي يسعى إلى إلقاء الضوء على ما يتوارى خلف النص الإبداعي من أنساق مضمرة كاشفة لمسيرة المجتمع الإسرائيلي.
واعتمادا على استقراء أهم مسارات الاتجاهات البحثية في الأدب العبري الحديث نجد أنه يمكن أن تتمحور المراجعة النقدية للخطاب الأدبي العبري – بالآونة الأخيرة – في بعض المحاور التالية:
أولا- دراسات الجندر
وهو فرع بحثي يتضمن الدراسات النسوية والجندرية التي ترعاها المؤسسات الأكاديمية المتخصصة أو تتبناها الخطابات النقدية على تنوّعها. وقد نشأت دراسات الجندر “لدراسة الأدوار الاجتماعية القائمة واختلافاتها بين الجنسين، وانعكاساتها على أسلوب الحياة والقوانين المنظمة للمجتمع وما يترتب عليها من علاقات قوى بين الجنسين، والسعي إلى إحداث تغيير على مستوى الوعي المجتمعي والثقافة الرائجة بما يحقق العدالة والمساواة” [i].
ولعل المحرك الأساسي لمثل هذه الدراسات هو الدعوة التحررية التي تبنتها الحركات النسائية في تركيزها على مفهوم الجنوسة كعامل تحليلي يكشف الفرضيات المتحيزة المسبقة في الثقافات المختلفة، ولذلك فقد تمحورت تلك الدراسات في مجالات عديدة ومختلفة كالعلوم الاجتماعية والسياسية والبحوث الأدبية والفنية والتراجم والسير الذاتية وغيرها، مما جعلها بؤرة لبرامج أكاديمية ودراسات عبر تخصصية بدأت تنشط في الجامعات الغربية [ii].
ونظرا إلى أن “الأدب العبري الحديث هو أدب أوروبي، بطبيعة الحال والنشأة، يدخل في علاقات تبادلية مع الآداب الغربية” [iii]، فقد أصبحت الدراسات الجندرية مجالا بحثيا وحقلا نقديا متعدد التخصصات في المجتمع الإسرائيلي يهتم بالموضوعات الخاصة بالنسوية والجنسانية والتوجه الجنسي، وبقضايا التمييز الاجتماعي التي قد تتقاطع مع مفاهيم العرق والأصل واللون والطبقة وغيرها من عوامل تزيد من التصنيفات العنصرية للنوع الاجتماعي.
وتعد “الرابطة الإسرائيلية للدراسات النسوية ولبحث الجنسوية” [iv] من أهم الجمعيات الحالية التي ترعى الدراسات النسوية والبحوث الجنسانية بالمجتمع، بالتعاون مع بعض الجامعات الحكومية والمعاهد البحثية والمنظمات النسائية. وتهدف إلى نشر المعلومات التي تساعد على تغيير الأفكار الثقافية السائدة التي تحول دون تحسين أوضاع النساء، وإنتاج معرفة بديلة حول حقوق أصحاب التوجهات الجنسية المغايرة من المثليين والمخنثين والمتحولين جنسيا ومزدوجي الميول الجنسية.
تحاول الرابطة تحقيق رسالتها، المرتكزة على نشر الوعي بالأدوار الاجتماعية للنساء ومواجهة الصور النمطية السائدة عن الهويات الجندرية المغايرة، عن طريق إتاحة برامج دراسات النوع الاجتماعي/دراسات الجندر التي تُدرس في جامعات مختلفة، مثل: جامعات تل أبيب وحيفا وبار- إيلان وبن جوريون، والجامعة العبرية بالقدس، أو برامج الدراسات النسوية كحقل أكاديمي تخصصي تطرحه بعض المعاهد البحثية، مثل: معهد شيختر للدراسات اليهودية بالقدس والكلية الأكاديمية تل حاي وغيرها من معاهد تتداخل فيها دراسات الجندر مع تخصصات أخرى كعلوم الاجتماع ودراسات الأديان واللغويات وعلم النفس وغيرها.
تنشر الرابطة الأبحاث المتخصصة في دورية سنوية مكرسة للخطاب النسوي وقضايا النوع الاجتماعي، وهي “ميجدَر” [v] (النوع الاجتماعي) التي تضم دراسات أكاديمية وإبداعات أدبية ومقالات ثقافية تسهم في إثراء الخطاب النقدي عن الجنوسة والجنسانية، ولذلك تجذب الدورية اهتمام الباحثين المهتمين بقضايا النسوية والنوع الاجتماعي لنشر مقالاتهم التي تتداخل مع مجالات متنوعة، كالأدب والسينما والفن وعلم النفس وعلم الاجتماع وعلوم اللغة.
كذلك ترعى مؤسسة “امرأة لامرأة: المركز النسوي حيفا” [vi] نشر سلسلة من الإصدارات البحثية الخاصة بالدراسات النسوية والجندرية عبر التخصصات والمتمركزة حول تعزيز المساواة بين الجنسين، ويهدف مشروعها إلى رواية القصة النسوية بأصوات متعددة تقاوم كافة أشكال العنف والتمييز والهيمنة داخل المجتمع الإسرائيلي، ولذلك فهي تمثل نفسها كتنظيم متعدد الثقافات يسمح للهويات المختلفة (الشرقية، والفلسطينية، والأفريقية، والمثلية، وغيرها) بالمشاركة في كتابة تجاربها والتعامل النقدي مع خطابات الدين والثقافة والتقاليد والسلطة.
تتضمن قائمة إصدارات المركز كتابات بالعربية والعبرية والإنجليزية بأقلام كتّاب من هويات متعددة [vii]، تبرز رسالته القائمة على دعم التضامن النسوي في تقاطعه مع أشكال الإقصاء الأخرى على أساس الأصل أو اللون أو الدين أو التوجه الجنسي المغاير.
وتعد النسوية الشرقية أحد أهم مجالات دراسات الجندر المعاصرة في إسرائيل التي يحاول الباحثون بها رصد ما يعاني منه المجتمع الإسرائيلي من تمييز ببعديه: الجندري والعرقي. وقد ركزت الكتابات المندرجة تحت هذا الحقل البحثي على نضال النساء الشرقيات سواء ضد الهيمنة الذكورية أو ضد السلطوية الأشكنازية السائدة، لذلك كانت أزمة الهوية التقاطعية (الجندرية: المرأة – العرقية: الشرقية) هي ما شكلت محددات الحراك الثقافي والنقدي في هذا المجال البحثي.
تعتبر حركة “أختي – من أجل النساء في إسرائيل” [viii] من الحركات التي تتبنى كل ما يسعى إلى إعلاء الصوت النسوي وإخراجه من دائرة الهيمنة الأشكنازية/الذكورية، وإلى إيجاد صيغ بديلة توثق القمع المزدوج الذي تعاني منه المرأة الشرقية قبل الهجرة إلى إسرائيل وبعدها، ولذلك تبنت الحركة إصدار أنتولوجيا “إلى أختي: سياسة نسوية شرقية” [ix] التي تتضمن مقالات نقدية تتطرق إلى قضايا الهوية والطبقية والعنصرية وعدم المساواة من منظور نسوي شرقي، تتخللها قصص وقصائد وشهادات بأقلام أديبات شرقيات يروين تجاربهن الشخصية مع التهميش، السياسي والاجتماعي والثقافي، داخل المجتمع الإسرائيلي، وما تعرضن له من إقصاء على خلفية عرقية وجندرية. ومنذ صدور الأنتولوجيا في عام 2007 أصبحت دراساتها مكونا رئيسا في العديد من المناهج الدراسية بالجامعات التي تهتم برامجها الأكاديمية بمسائل الهوية الشرقية ودراسات الجندر.
وتعد دراسات الإسرائيلية/المغربية هنرييت داهان كاليف أستاذة العلوم السياسية ودراسات الجندر بجامعة بن جوريون من أبرز ما يُكتب في هذا الصدد على الساحة النقدية العبرية. ومن أبرزها مقالها “الحركة النسوية بين الشرقية والأشكنازية” [x] الذي تقر فيه بأن المجتمعات الديمقراطية القائمة على التعددية ظاهريا – كالمجتمع الإسرائيلي – يكون فيها إقصاء الآخر أكثر نجاحا؛ لأنه يستند على حيل سياسية خفية تبث إجراءاتها عبر وسائل الإعلام والمناهج الدراسية والمعاملات اليومية، خلافا للأنظمة القمعية التي تقوم على العنف الواضح والعدوانية الظاهرة للجميع.
ثانيا- دراسات ما بعد الكولونيالية
تهتم الدراسات ما بعد الكولونيالية بـ”تغطية كل ثقافة تأثرت بالعملية الإمبريالية من وقت الاستعمار وحتى الآن. وبهذا المعنى، يمكن القول بأنه مصطلح معنيّ بالعالم كما كان موجودا أثناء فترة الهيمنة الأوروبية وبعدها، وبتأثيرات تلك الفترة في الآداب المعاصرة، كما أنه يتعرّض لكل تجربة التقى فيها مختلفان، أحدهما بـ’الآخر’ مما أفضى إلى التأثير الشديد فيهما معا” [xi].
ويعد مصطلح ما بعد الكولونيالية من المصطلحات الشائعة في العديد من الميادين الثقافية، نظرا لما يتضمنه من شمول واتساع يجعلانه يتمتع بنوع من المرونة تؤهله لأن يشير إلى المرحلة التي أعقبت التخلص من الهيمنة الاستعمارية والاحتلال الغاشم مباشرة من أجل تحليلها، إلى جانب تعبيره عن حركة في النقد الأدبي والاجتماعي تحاول الرد على الإمبريالية الأوروبية وما سببته من آثار على بعض الشعوب من خلال فرض نوع جديد من السيطرة يتجاوز الاستعمار التقليدي ويتخذ مسميات عدة كالعولمة والعالمية والكونية، ويقوم على التعالي والفوقية أو بالأحرى وهم المركزية الأوروبية والغربية [xii].
وقد تجسدت قيم الهيمنة الغربية في الحركة الصهيونية بوصفها ممارسة كولونيالية أوروبية قائمة على ثنائية الغرب/الشرق في الأساس تتوجه إلى “الآخر” بخطاب استعلائي يتوافق مع الخطاب الكولونيالي الغربي، فعمدت إلى إقصاء الثقافات المغايرة ودفع أصحابها للذوبان في الثقافة الأوروبية/الأشكنازية السائدة، فنشأ خطاب ما بعد صهيوني – يتبنى مقولات ما بعد الكولونيالية – يقوض الفرضيات الصهيونية الرسمية وما تدعمه من التراتبية الهرمية للثقافات، وتعرض المواجهات الإشكالية بين الثقافات المحلية والثقافة الأشكنازية الرسمية.
وهذا الخطاب ما بعد الكولونيالي/ما بعد الصهيوني تبناه العديد من الباحثين على الساحة النقدية الحالية، من أهمهم يارون إزراحي أستاذ التاريخ والعلوم السياسية الذي يرى في دراسته “الخطاب ما بعد الكولونيالي الإسرائيلي” [xiii] أن دولة إسرائيل تمارس في الوقت الحالي نوعا من الاستعمار الجديد “Neo-Colonialism” ضد مواطنيها، عن طريق محاولاتها المستمرة لمحو هوياتهم الأصلية متخفية وراء مقولات تعميمية مثل: “التقدم” و”التنوير” و”المواطنة” وغيرها، مما قد يسهم – في ظنها- في تحديد العلاقة بين الدولة والفرد، وصهر الثقافات المتعددة في بوتقة إسرائيلية واحدة بهدف خلق مجتمع جديد ومتجانس.
هذا بجوار المفاهيم ما بعد الكولونيالية التي انشغل بها كل من أوري رام أستاذ علوم المجتمع الذي يعتبر في دراسته “ما بعد الصهيونية وزعزعة الهيمنة القومية” [xiv] الخطاب ما بعد الصهيوني/ما بعد الكولونيالي نوعا من “الشرقية الجديدة” التي تفند في الأساس المشروع الاستعماري/الاستشراقي العرقي الذي تبنته الصهيونية الأشكنازية، وتخلخل فرضياته الأساسية “الزائفة” القائمة على وحدة النسيج “القومي” وانسجام هوية “النحن” ودعم التوحيد “الثقافي”.
وكذلك دانيال جوترين أستاذ التاريخ في كشفه للمعارضات الثنائية التي تعتمدها المؤسسة الصهيونية من خلال نظرة أحادية عنصرية تقوم على سيادة الثقافة الفوقية، وتأكيده – في دراسته “ما بعد الصهيونية، ثورة الخصصة واليسار الاجتماعي” [xv] – بأن إلغاء الطابع “القومي” الجمعي للدولة ودحض افتراضاتها المركزية هو السبيل الوحيد الذي سيمكن “الفرد” الإسرائيلي من تحرير ذاته من عنصرية الصهيونية وظلم الدولة، وبالتالي خلق شرعية بديلة تقوم على تقويض الأسس الأيديولوجية للدولة، وخاصة تلك التي تتعلق باليوتوبيا الصهيونية وبوتقة الصهر.
ومن دراساته البحثية المهمة في هذا الصدد “تأريخ جديد أو خصخصة الذاكرة” [xvi] التي يعيد فيها قراءة تاريخ الحركة الصهيونية ويربط تحققها بانتهاك بعض القيم الأخلاقية؛ بدءا برفض المنفى والتضحية بيهود أوروبا خلال فترة أحداث النازي، ومرورا بتهجير الفلسطينيين عن قراهم عام 1948، وانتهاء بقمع اليهود الشرقيين داخل سياسة بوتقة الصهر.
تبنى الموقف ذاته الناقد والشاعر سامي شالوم شطريت الذي يكشف النقاب – في دراساته المختلفة ومن أهمها “الصراع الشرقي في إسرائيل” [xvii] – عن الخطاب الصهيوني/الكولونيالي الذي يستبعد ثقافات يهود الشرق ويعدهم أقلية هامشية، ويوجه حديثه في المقام الأول إلى اليهود الأشكناز كممثلين للأغلبية الثقافية الحاكمة، فالصهيونية – في رأيه – حركة قامت على الأهداف الأساسية للاستعمار وأنتجتها مشاعر التملك والإحساس بالتفوق لدى شعوب أوروبا، مما كان له الدور الحاسم في تعيين وضع اليهود القادمين من الدول العربية وفي تحديد النظرة إلى الثقافة التي يمثلونها، والحكم بضرورة “إصلاحها” كشرط للانضمام إلى المجموع.
وقد شغلت الناقدة إيلا شوحيط [xviii] حيزا كبيرا في الدراسات ما بعد الكولونيالية متأثرة بما طرحه إدوارد سعيد عن القضية الفلسطينية وتعريفه للصهيونية بوصفها امتدادا مباشرا للمشروع الأوروبي الاستعماري ومنفذا لإجراءاته التعسفية تجاه الشرق، فهي صاحبة آراء تدحض النتائج السلبية للصهيونية ليس على الفلسطينيين فحسب، بل أيضا على يهود الشرق الذين جُرّدوا من حق تمثيل أنفسهم وتعرضوا إلى إنكار تاريخهم ووعيهم الثقافي لأسباب تخص الصهيونية كحركة أوروبية استعمارية هدفت إلى خلق هوية إسرائيلية/أوروبية مهيمنة تقوم على تاريخ رسمي واحد، لذلك وضعت نفسها في موضع السيد وحولت الفئات الأخرى إلى وضعية التابع.
ومن أبرز الأبحاث في مجال الدراسات ما بعد الكولونيالية في إسرائيل ما يطرحه يهودا شنهاف أستاذ علم الاجتماع والانثروبولوجيا بجامعة تل أبيب الذي أسهم في بلورة النظرية ما بعد الكولونيالية في الخطاب النقدي/الاجتماعي الإسرائيلي، بالأخص من خلال مقالاته التي نشرها في الدورية نصف السنوية “تيؤريا أوبيكوريت” (نظرية ونقد) التي كان من بين هيئة تحريرها، وكان من أهمها العدد العشرون الصادر في ربيع عام 2002 بعنوان “رؤية ما بعد كولونيالية” [xix]، وتضمن مقالات بحثية أساسية في حقل الدراسات ما بعد الكولونيالية، إلى جانب افتتاحية العدد التي دُونت بقلم يهودا شنهاف.
كما قام شنهاف بتحرير عدد آخر من الدورية ذاتها [xx] في عام 2006 مكرّس أيضا للمقالات النظرية والبحوث التطبيقية في حقل الدراسات ما بعد الكولونيالية، وقد تضمن العدد كتابات تدعم رؤية محرره حول ضرورة تشكيل المجتمع الإسرائيلي كمجتمع متعدد الثقافات وإعادة تفكيك سياسات الهوية التي تصنّف المواطنين وفق تراتبية هرمية قائمة على اللون أو العرق أو الجنس أو الأيديولوجيا وغيرها من تصنيفات عنصرية.
كذلك تضم أنتولوجيا “الكولونيالية والوضع ما بعد الكولونيالي” [xxi] التي قام بإعدادها شنهاف وأصدرها معهد فان لير بالقدس عام 2004 مجموعة من المقالات والترجمات التي تعد من النصوص التأسيسية في هذا المجال. فقد احتوت الأنتولوجيا على عدة دراسات بحثية لأهم من كتبوا في الخطاب ما بعد الكولونيالي بإسرائيل ومنهم: يهودا شنهاف وحنان حيفر ودانيال بوريارين وعزمي بشارة وجابريئيل بيتربرج وجيل إيال وإيتان بر يوسف وجرشون شافير وأمنون راز كراكوتزكين، إلى جانب مقالات مترجمة لرواد درسات ما بعد الكولونيالية في العالم: إدوارد سعيد وهومي بابا وجايتري سبيفاك وفرانز فانون وألبير ميمي.
ثالثا- دراسات النازية
وهو اتجاه بحثي بارز في المجتمع الإسرائيلي يعتمد على “نقاش الدروس المستفادة من أحداث النازي، والتي تّستخدم كتبرير للمطالبة بسيادة اليهود على فلسطين، وإعادة تفسير السلوكيات الصهيونية تجاه يهود أوروبا في فترة أحداث النازي وما قبلها” [xxii]، سواء من خلال تحليل الأدبيات العبرية المختلفة التي رصدت تفاصيل تلك الأحداث وحاولت تجسيد سلوك الجماعات اليهودية خلالها ونقل التجربة إلى وعي القارئ الإسرائيلي الحالي، أو من خلال القراءة التفسيرية لأحداث التاريخ الماضية وربطها بالسياق الأوروبي الاستعماري الذي وقعت داخله.
وقد تباينت تلك الاتجاهات البحثية الشارحة لتلك الأحداث في السنوات الأخيرة بين رؤيتين مركزيتين، الأولى تؤكد ضرورة تفسيرها بوصفها جزءا لا يتجزأ من التاريخ الأوروبي كله، وعدم النظر إليها على أنها ظاهرة خارج التاريخ استهدفت اليهود وحدهم، كما أكدت دراسات دان مخمان [xxiii] و يهودا باور [xxiv]على سبيل المثال. والثانية تطرح تلك الأحداث بوصفها أحداثا فريدة تخرج عن التاريخ نفسه ولا تخضع لحدوده التفسيرية، ولذا يجب تدوينها بنوع من الخصوصية بوصفها الماضي المؤسس للدولة، كما أطلق عليها ألون كونفينو وشاؤول فريدلندر [xxv].
يتجسد هذا الاهتمام البحثي في صدور العديد من الدوريات المخصصة للكتابة عن تلك الأحداث أو نقد الكتابات الأدبية والتاريخية المدونة عنها، على رأسها الدورية السنوية “دبيم لحيقر هشوآه” (صفحات لبحوث النازية)، التي يصدرها “معهد دراسات النازية” التابع لجامعة حيفا، وتضم أعدادها مقالات لمؤرخين ونقاد وباحثين من داخل إسرائيل وخارجها ممن يهتمون ببحث تاريخ أحداث النازي وتأثريها على المجتمع الحالي، منهم المؤرخة سارة بندر والمؤرخ يهودا باور والباحثة في شئون الناجيين حنا يابلونكا وأستاذ تاريخ اليهود عاموس جولدبرج.
وتعد دراسات عاموس جولدبرج المتخصص في تاريخ النازية من أبرز الكتابات في هذا المجال؛ حيث ترتكز بحوثه على التاريخ الثقافي والأدبي لليهود أثناء فترة أحداث النازي، وتعتمد على إبراز التقاطع بين التاريخ والأدب في كتابات المعاصرين لتلك الأحداث – وخاصة يهود وارسو- والناجين منها، وينسب له التجديد في هذا المجال من خلال الربط بين دراسات النازية والدراسات ما بعد الكولونيالية بإفساح المجال لأصوات “الضحايا” كي يسردوا قصصهم الخاصة التي تختلف تماما عن الرواية التاريخية الرسمية للأحداث. كما جاء، على سبيل المثال، في كتابه الضخم (447 صفحة) “الصدمة بضمير المتكلم: يوميات من فترة النازية” [xxvi] الصادر بالعبرية في عام 2012 والمترجم إلى الإنجليزية في عام 2017.
كما يتضح هذا الاهتمام البحثي في الحركة النقدية المكرسة لنقد أدبيات تلك الأحداث (سفروت هشوآه) من سرديات ذاتية كالشهادات والمذكرات واليوميات التي دونها المعاصرون للأحداث أو الناجون منها، أو من إنتاجات روائية وشعرية ومسرحية عالجت في نسيجها الإبداعي تلك القضية. ومن أبرز الكتابات النقدية في هذا المجال ما كتبته الناقدات حنا ياعوز ونوريت جوفرين وعاميا ليبليخ، وكذلك الناقد دان ليئور الذي يعتمد نقده لأدبيات النازية على ربط الإبداع بالظرف التاريخي الذي يجسده والسياق السياسي الحاكم لكتابته وسيرة حياة كاتبه.
وتعد إسهامات إيريس ميلنر حول سرديات أدب النازية – وبالأخص ما كتبه الجيل الثاني الذي تربى في ظل تلك الأحداث ولم يعايشها – من أبرز ما يقدم على الساحة النقدية المعاصرة، حيث تهتم كتاباتها النقدية برصد مضامين الأعمال الأدبية كممثل نصي لفترة النازية وكشاهد – اجتماعي وسياسي ونفسي – على الذاكرة الجماعية ليهود أوروبا أثناء الحرب العالمية الثانية، كما نجد في كتابيها “تصدعات الماضي: السيرة والهوية والذاكرة في قص الجيل الثاني” (2003) [xxvii]، و”سرديات أدب النازية” (2008) [xxviii]، والأخير يتضمن تحليلا لبعض الإبداعات – العبرية واليديشية – التي كُتبت أثناء الاحتلال النازي نفسه، بجوار طرح الرؤية النسوية إزاء أدب النازية بوصفها رؤية مغايرة تفند المسلمات وتعيد مراجعتها من جديد.
وقد تعالت مؤخرا بعض الأصوات التي تنادي بمساواة طرد العرب من فلسطين بطرد اليهود من دول أوروبا أثناء أحداث النازي، واعتبار ذلك بمثابة “نكبة مشتركة”، وهي فكرة يحاول البعض الترويج لها عن طريق المساوة بين “النكبة والنازية” بهدف الوصول إلى اعتراف متبادل بالأحداث. اتضح ذلك – مثلا – في كتاب يائير أورون “النازية والإحياء والنكبة” [xxix] الذي يعرض فيه قراءة تفسيرية بديلة لأحداث النازي وتأثيرها على إدارة اليهود لحرب 1948 على خلفية ما تعرضوا له من أحداث عنف، ويقدم قراءة نقدية لأعمال أدباء مثل أباكوفنر وس. يزهار ويورام كينيوك.
الرؤية نفسها تبناها عاموس جولدبرج بمشاركة بشير بشير بروفيسور العلوم الاجتماعية بالجامعة العبرية في كتاب “النازية والنكبة: الذاكرة والهوية القومية والشراكة اليهودية العربية” (2015) [xxx] الذي يتناول العلاقة بين النازية اليهودية والنكبة الفلسطينية ويناقشهما معا في السياق الإسرائيلي الحالي، لا بوصفهما حدثين متشابهين إنما بوصفهما حدثين صادمين ومؤسسين لمصير “الشعبين”، ويضم مقالات ودراسات لمفكرين بارزين من الجانبين مثل حنان حيفر وعاموس جولدبرج وآسف ساجيف ومايا كهانوف، وسلمان ناطور وأمل جمال وسميرة عليان وإسماعيل ناشف وأنطوان شلحت. والفكرة نفسها عبر عنها المحرران في كتابهما الصادر بالإنجليزية عن جامعة كولومبيا في عام 2018 “النازية والنكبة: قواعد جديدة للصدمة وللتاريخ” [xxxi].
رابعا- دراسات الاستشراق
الاستشراق حقل معرفي فكري يجعل من الشرق هدفا للدرس رغم تباين أهدافه ما بين أهداف دينية واقتصادية وسياسية، وهو – وفق إدوارد سعيد [xxxii]– الطريقة المنظمة التي استطاعت عن طريقها الثقافة الغربية أن تتدبر الشرق وتعيد إنتاجه عبر خطاب تعبوي يخدم السياسات الاستعمارية ورغبتها في السيطرة على الشرق، فهو – في النهاية – خطاب معرفي مقيد بسلطة المؤسسات السلطوية – السياسية والعسكرية والاجتماعية والثقافية- وغاياتها من دراسة الشرق وفهم أموره.
ولا شك أن هناك مبررات تدفع المجتمع الإسرائيلي للاهتمام بدراسة الشرق وما يرتبط به من علوم وفنون، فهو من ناحية يعيش في حالة صراع دائم مع البلدان العربية والإسلامية يدفعه إلى الرغبة في معرفة الجوانب المختلفة لهذا الإقليم، ومن ناحية أخرى يمتلك خصوصية تتمثل في التداخل الثقافي والتراثي ليهود البلدان العربية المهاجرين له. ولهذا فإن مظاهر الاهتمام الإسرائيلي بالشرق العربي والإسلامي متعددة وتنعكس في الدعم، المادي والمعنوي، الذي تتلقاه العملية البحثية في هذا المجال لتطوير كافة الإمكانات التي تسهم في دعم دراسات الاستشراق الإسرائيلي [xxxiii].
وقد أولى الاستشراق الإسرائيلي أهمية بالغة لدراسة الأدب العربي بوصفه مصدرا لمعرفة كل ما يتعلق بالمجتمع العربي وقضاياه، وكانت مجهودات “معهد الدراسات الشرقية” بالجامعة العبرية بالقدس من أبرز ما تم في هذا المجال [xxxiv]، ثم توالت الجهود البحثية في مجال دراسات الاستشراق الإسرائيلي برعاية العديد من المعاهد المتخصصة مثل معهد بن تسفي للدراسات اليهودية ومعهد مارتن بوبر التابعان للجامعة العبرية بالقدس، ومعهد شيلواح التابع لجامعة تل أبيب، ومعهد دراسات الشرق الأوسط التابع لجامعة حيفا [xxxv]، وغيرها من معاهد ومراكز تهتم ببحوث الاستشراق من خلال إصدار الدوريات المتخصصة وطرح البرامج الأكاديمية المهتمة بتاريخ المنطقة العربية وآدابها.
ويضم قسم “الدراسات العربية والإسلامية ” بجامعة تل أبيب مسارا بحثيا يخص الوقوف على الأدب العربي وتطوّراته والانشغال بتحليل نصوصه ونقدها وترجمتها. ومن أبرز من قام برعاية هذا الاتجاه البحثي بالجامعة الناقد ساسون سوسيخ الذي اهتمت دراساته بتحليل الأدبيات العربية والترجمة منها وإليها. وحجاي بن شماي الأستاذ بقسم اللغة العربية وآدابها التابع لمعهد الدراسات الآسيوية والأفريقية في الجامعة العبرية بالقدس الذي انصبّ اهتمامه على دراسة العربية اليهودية وتحليل ما كُتب بها من مؤلفات، وكذلك شموئيل موريه الذي كتب العديد من الأبحاث في الأدب العربي الحديث وخاصة في مجالي الشعر والمسرح.
وجدير بالذكر أن هناك اهتماما ملحوظا من جانب المراكز البحثية الإسرائيلية والمعاهد المتخصصة في دراسات الاستشراق، بتوثيق سيرة المفكرين اليهود الذين عاشوا في العالم العربي الإسلامي ورصد إسهاماتهم الثقافية، فقد أسهم حجاي بن شماي في إنشاء “مركز دراسات الثقافة العربية اليهودية وآدابها” [xxxvi] الذي يضم باحثين من جميع أنحاء العالم ويعمل على تشجيع الأبحاث المتعلقة بالثقافة العربية اليهودية وجمع المخطوطات الخاصة بها، ومن تلاميذه البارزين في هذا المجال دافيد سِكلير المتخصص في دراسة المخطوطات العربية اليهودية بمعهد بن تسفي في القدس، وكذلك يوناثان موس الذي يحقق كتابات اليهود باللغة العربية اليهودية، وخاصة كتابات سعاديا الفيومي.
وفي الوقت نفسه ترعى حاليا منظمة التعاون الألماني الإسرائيلي التابعة للصندوق الألماني للأبحاث مشروعا توثيقيا يدعى بيبليا عرابيكا [xxxvii] (Biblia Arabica)، يركز فيه باحثو الاستشراق، من جامعتي برلين وتل أبيب، على دراسة الموروث الفكري الذي أنتجه اليهود داخل الحضارة الإسلامية بدءا من القرن السابع الميلادي وعلى جمع المخطوطات المكتوبة بالعربية اليهودية وتحليلها، وكذلك جمع الترجمات العربية للتوراة وتحقيقها. كما يرعى “معهد مارتن بوبر للدراسات اليهودية” [xxxviii] التابع لجامعة كولونيا في ألمانيا العديد من الأبحاث التي تدرس النصوص الأدبية التي كتبها فلاسفة اليهود بالعربية اليهودية والسياقات الثقافية التي أنتجت داخلها.
وتعد عمليات الترجمة المتبادلة بين الأدبين – العربي والعبري – والدراسات النقدية لهذه الترجمات من أبرز محاور الدراسات الاستشراقية المعاصرة في إسرائيل. ومن أحدث ما صدر في هذا الحقل أنتولوجيا ثنائية اللغة بعنوان “أدب عربي وعبري شاب ومعاصر” [xxxix] (2014)، والتي تعد جزءا من مشروع “شتَيّم/اثنان” الذي يرعاه مجموعة من الباحثين الشباب – وفي مقدمتهم الكاتب والناقد ألموج بيهار- المهتمين بنقل الثقافة العربية للقارئ الإسرائيلي ودعم الترجمة عن فنون الأدب العربي بمراحله المختلفة كوسيلة للتعايش والمشاركة بين الجانبين، بجانب سلسلة “مكتوب/مكتوب” [xl] ضمن مشروع مخصَص لترجمة الأدب العربي إلى اللغة العبرية تابع لمنتدى المترجمين بمعهد فان لير بالقدس ويشرف عليه كل من يهودا شنهاف ويونتان مندل وحنان سعدي.
كما يتجلى الاهتمام بالدراسات العربية والإسلامية بإسرائيل في صدور العديد من الدوريات المتخصصة في دراسات الشرق، والتي تنشر بحوثا للمتخصصين في هذا المجال على اختلاف فروعه: الأدب والمجتمع والتاريخ والفن والديانة والتراث، من أهمها على سبيل المثال همزراح هحدش (الشرق الجديد)، و”جماعة”، وكذلك “الكرمل” الصادرة بالعربية عن قسم اللغة العربية وآدابها ومعهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة حيفا وتقدم أبحاثا في اللغة والأدب للباحثين في هذا المجال من داخل الجامعة وخارجها.
دراسة في كتاب
تعتمد الدراسة الحالية “الرِهان الصهيوني وتحطيم الأساطير/دراسات في الأدب العبري الحديث” على استجلاء الاتجاهات البحثية سابقة الذكر ودورها في تحليل الإنتاجات الأدبية المكتوبة باللغة العبرية، وكانت مقولات ما بعد البنيوية والنقد الثقافي والدرس المقارن هي المناهج النقدية والخطوات الإجرائية التي تم الاستعانة بها لاستنطاق النصوص الأدبية وتفسيرها باعتبار تلك النصوص ممارسات ثقافية تعبر عن أنظمة المجتمع وتجسد أنساقه المتعددة عبر رحلة طويلة من التحولات التاريخية والاجتماعية.
وتنقسم الدراسة إلى أربعة فصول رئيسة، تطرح قضايا فكرية مختلفة تخص المرأة والتراث والصهيونية والصراع والحروب وغيرها من قضايا انشغل بها كاتبو النصوص الأدبية محل الدراسة، وتعرض كذلك أنواعا أدبية متنوعة تتراوح بين الرواية والرواية القصيرة والقصة القصيرة ورواية الرسائل بوصفها قوالب فنية طرح خلالها الأدباء قضاياهم المجتمعية المتشابكة.
جاء الفصل الأول بعنوان “جماليات التشكيل الزمكاني في رواية ‘رسائل من رحلة متخيلة’ لليئة جولدبرج – قراءة نقدية في بنية النص الروائي”. ويحاول تفكيك المقولات التي سعت الصهيونية إلى ترسيخها في خيالات المهاجرين اليهود، في محاولة لدفعهم إلى الانقطاع عن أوطانهم الأوروبية التي جاؤوا منها، والتمسك بالوطن المقصود “فلسطين”، ويعرض المحاولات الأولى لرفض الصهيونية وخطابها الإنقاذي الذي اتجهت به نحو يهود العالم، من خلال تبني الكاتبة ليئة جولدبرج خطابا كوزموبوليتانيا ينحرف عن المسار الرسمي للخطاب الصهيوني الذي يلتزم بتأسيس “وطن قومي” لليهود بفلسطين يجمعهم فيه نسيج ثقافي موحد.
أما الفصل الثاني وعنوانه “الغواية بين ليليت والنداهة – دراسة مقارنة في قصتي ليليت والنداهة”، فيتناول سبل استثمار الكاتب – أيّا كان انتماؤه – للخطاب الأسطوري في نقد الواقع الاجتماعي الذي يعاصره والتنبؤ بالمستقبل المتوقع إذا تغير/لم يتغير الوضع القائم الذي يدينه، حيث قام الكاتب دافيد فريشمان بتطويع الأسطورة للتعبير عن تمرده على السلطة الدينية التي استغلها الحاخامات للسيطرة على يهود أوروبا قبل إقامة الدولة ومنعهم من الانفتاح على القيم الغربية الحديثة، بينما قام الأديب يوسف إدريس باستثمار الأسطورة لتجسيد أزمة التحديث التي عاني منها البعض في مصر منذ أوائل عقد الستينات من القرن العشرين، وتداعيات الصدام الحضاري بين مجتمع الريف ومجتمع المدينة.
ويواصل الفصل الثالث “الجولم بين التراث الشعبي والتمثّل الأدبي- دراسة في رواية ‘الجولم’ ليتسحاق بن مردخاي” عرض استلهام المبدع للشخصية الأسطورية داخل نصه الروائي من أجل إنتاج دلالة جديدة لها تتصل بالواقع الحاضر الذي يجسده. ويتناول تقنع الكاتب يتسحاق بن مردخاي بالأسطورة بهدف نقد السلطة السياسية، ورفض أجهزتها القمعية المتمثلة في ممارسات الجيش الإسرائيلي وإدارته الوحشية للحروب، ومحاولاته للدمج بين الواقعي والعجائبي من أجل إدانة التعامل الصهيوني مع الأبعاد المتخلفة لما يسمى بـ”إبادة” يهود أوروبا والناجين في فترة أحداث النازي.
يتطرق الفصل الرابع، وعنوانه “سرد الضحية – دراسة مقارنة في قصتي تمزيق وألعاب نارية”، إلى وقوع المرأة اليهودية – ذات الأصول العربية- ضحية للهيمنة الذكورية وللإقصاء العنصري بعد تصنيفها كجزء من كل يعتريه النقص من قبل المؤسسة الصهيونية الأشكنازية داخل إسرائيل، وذلك عبر تمثيل الكاتبة براخا سري لما تعانيه المرأة اليهودية اليمنية لمظاهر متعددة من العنف الاجتماعي أو الجنسي سواء في بيئتها القبلية في اليمن أو عقب هجرتها إلى إسرائيل في بداية خمسينات القرن العشرين.
بينما يتناول الفصل الخامس والأخير “مسرحة الرواية – دراسة نقدية في رواية ‘عائد إلى حيفا’ لغسان كنفاني ومسرحية ‘العودة إلى حيفا’ لبوعز جاؤون” إجراءات تحويل العمل الروائي القائم على السرد إلى نص مسرحي قابل للعرض، من خلال استغلال الكاتب بوعز جاؤون للعناصر الدرامية التي تحملها بنية رواية كنفاني “عائد إلى حيفا” خلال إعادة صياغة النص دراميًا وإعداده للعرض المسرحي. ويحاول الفصل أن يرصد – إلى جانب التحولات الشكلية – تحولات الدافع، أي الموقف الأطروحي الجديد الذي دفع الكاتب إلى تحويل نص كنفاني إلى مسرحية، وما يتضمنه هذا الموقف من إشارات سياسية وأيديولوجية تحكمها، في الأساس، علاقة الصراع بين الصهاينة والفلسطينيين.
هوامش:
[i] هالة كمال (تحرير): النقد الأدبي النسوي، سلسلة ترجمات نسوية، العدد 5، مؤسسة المرأة والذاكرة، القاهرة، 2015، ص 13، 14. [ii] ميجان الرويلي، وسعد البازعي: دليل الناقد الأدبي، المركز الثقافي العربي، الدا البيضاء، ط3، 2002، ص 149. [iii] מנחם ברינקר: הספרות העברית כספרות אירופית, הרצאות החברים החדשים, גיליון 31 , דצמבר 2009, עמ’ 2. [iv] אתר האגודה הישראלית ללימודים פמיניסטיים ולחקר המגדר, http://www.gendersite.org.il/about/ [v] מגדר, כתב עת אקדמי למגדר ופמיניזם, https://www.migdarjournal.com/ [vi] אשה לאשה – מרכז פמיניסטי חיפה, http://isha2isha.com/ [vii] חנה ספרן, תלמה בר-דין (עורכות): אישה לאישה פמיניסטית, שלושים שנות פעילות, אשה לאשה – מרכז פמיניסטי חיפה, פרדס הוצאה לאור, 2013, עמ, 545: 547. [viii] אחותי – למען נשים בישראל, https://www.guidestar.org.il/organization/580362747. [ix] שלומית ליר (עורכת): לאחותי, פוליטיקה פמיניסטית מזרחית, הוצאת בבל, תל-אביב, 2007, עמ’ 15. [x] הנרייט דהאן כלב: פמיניזם בין מזרחיות לאשכנזיות, בתוך: דפנה יזרעאלי (עורכת): מין, מגדר, פוליטיקה, קו אדום, הוצאת הקיבוץ המאוחד, הדפסה רביעית, 2006, עמ’ 217. [xi] بيل أشكروفت (وآخرون): الإمبراطورية ترد بالكتابة، آداب ما بعد الاستعمار، النظرية والتطبيق، ت: خيري دومة، أزمنة للنشر، عمان، 2005، ص 12- 13 [xii] آمال علاوشيش: ما بعد الكولونيالية، ضمن: مجموعة مؤلفين: خطاب الـ “ما بعد”، في استنفاد أو تعديل المشروعات الفلسفية، منشورات ضفاف/ بيروت، منشورات الاختلاف/ الجزائر، 2013، ص 43- 44. [xiii] ירון אזרחי: השיח הפוסטקולוניאלי הישראלי, קתרסיס, גליון 11, אביב 2009, עמ’ 13. [xiv] אורי רם: פוסט-ציונות, העשור הראשון, סוציולוגיה של ערעור על הגמוניה לאומית, בתוך: אבי בראלי, דניאל גוטוויין,טוביה פרילינג (עורכים): חברה וכלכלה בישראל; מבט היסטורי ועכשווי, כר’ א-ב, מכון בן-גוריון לחקר ישראל, ירושלים, 2005, עמ’ 824- 825. [xv] דניאל גוטווין: פוסט-ציונות, מהפכת ההפרטה והשמאל החברתי, בתוך: טוביה פרילינג (עורך), תשובה לעמית פוסט-ציוני, ידיעות אחרונות, ספרי חמד, תל-אביב, 2003, עמ’ 243- 244. [xvi] דני גוּטוויין: היסטוריוגרפיה חדשה או הפרטת הזיכרון, בתוך: יחיעם ויץ (עורך), בין חזון לרוויזיה, מאה שנות היסטוריוגרפיה ציונית, קובץ מאמרים, מרכז זלמן שזר לתולדות ישראל / מוסד הרצל לחקר ציונות / מרכז צ`ריק לחקר הציונות והיישוב, ירושלים, 1997, עמ’ 311- 312. [xvii] סמי שלום שטרית: המאבק המזרחי בישראל, בין דיכוי לשחרור, בין הזדהות לאלטרנטיבה, 1948- 2003, הוצאת ספרים עם עובד, תל- אביב, 2004, עמ’ 49: 52. [xviii] Ella Shohat: Sephardim in Israel, Zionism from the standpoint of its Jewish victims, social text, no. 19-20, duke university press, winter 1988, p.1-2 [xix] תיאוריה וביקורת, גיליון 20, אביב 2002, מבט פוסטקולוניאלי, https://theory-and-criticism.vanleer.org.il/%d7%92%d7%99%d7%9c%d7%99%d7%95%d7%9f-20-%d7%90%d7%91%d7%99%d7%91-2002/ [xx] תיאוריה וביקורת, גיליון 29, סתיו 2006, מחקר ותיאוריה בלימודים פוסטקולוניאליים, https://theory-and-criticism.vanleer.org.il/%d7%92%d7%99%d7%9c%d7%99%d7%95%d7%9f-29-%d7%a1%d7%aa%d7%99%d7%95-2006-%d7%9e%d7%97%d7%a7%d7%a8-%d7%95%d7%aa%d7%99%d7%90%d7%95%d7%a8%d7%99%d7%94-%d7%91%d7%9c%d7%99%d7%9e%d7%95%d7%93%d7%99%d7%9d/ [xxi] יהודה שנהב: קולוניאליות והמצב הפוסטקולוניאלי, מכון ון ליר בירושלים והוצאת הקיבוץ המאוחד תל אביב, 2004. [xxii] أحمد حماد: الصهيونية وما بعدها، قراءة في الأنساق المضمرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2018، ص 240. [xxiii] דן מכמן: השואה, המשכיות של תהליכים או תופעה מבודדת?, בתוך: בימי שואה ופקודה, האוניברסיטה הפתוחה, תל אביב, 1983, עמ’ 9 [xxiv] Yehuda Bauer: Rethinking the Holocaust, Yale University Press, New Haven, 2002, p. 38. [xxv] עמוס גולדברג: השואה וההיסטוריה, נתקים בעידן פוסטמודרני, תיאוריה וביקורת, גיליון 40, קיץ 2012, עמ’ 121, 126- עמ’ 134، 146. [xxvi] עמוס גולדברג: טראומה בגוף ראשון, כתיבת יומנים בתקופת השואה, כנרת זמורה-דביר, תל-אביב, 2012. [xxvii] איריס מילנר: קרעי עבר: ביוגראפיה, זהות וזיכרון בסיפורת הדור השני, המכון לחקר הציונות וישראל והוצאת עם עובד, תל-אביב, 2003. [xxviii] איריס מילנר: הנרטיבים של ספרות השואה, הקיבוץ המאוחד, תל-אביב, 2008, עמ’ 21, עמ’ 77. [xxix] יאיר אורון: השואה התקומה והנכבה, הוצאת רסלינג, תל-אביב, 2013. [xxx] בשיר בשיר, עמוס גולדברג (עורכים): השואה והנכבה: זיכרון, זהות לאומית ושותפות יהודית–ערבית, מכון ון ליר בירושלים והקיבוץ המאוחד, עמ’ 15: 17. [xxxi] Bashir Bashir and Amos Goldberg (editor): The Holocaust and the Nakba, A New Grammar of Trauma and History, Columbia University Press, 2018 [xxxii] إدوارد سعيد: الاستشراق، المفاهيم الغربية للشرق، ت: محمد عناني، رؤية للنشر والتوزيع، القاهرة، 2006، ص 39، 41. [xxxiii] محمد جلاء إدريس: الاستشراق الإسرائيلي في المصادر العبرية، العربي للنشر والتوزيع، القاهرة، 1995 ص 94، 95. [xxxiv] محمد خلفية حسن: المدرسة اليهودية في الاستشراق، مجلة رسالة المشرق، المجلد 12، الأعداد 1/4، القاهرة، 2003، ص 76- 77. [xxxv] محمد جلاء إدريس: الاستشراق الإسرائيلي في المصادر العبرية، مرجع سابق، ص 97: 104. [xxxvi] המרכז לחקר התרבות הערבית-היהודית וספרותה, מכון בן-צבי לחקר קהילות ישראל במזרח, http://www.ybz.org.il/mbz [xxxvii] Biblia Arabica, https://biblia-arabica.com/ [xxxviii] Martin Buber Institute for Jewish Studies, http://judaistik.phil-fak.uni-koeln.de/?L=1 [xxxix] תאמר מסלאחה, תמר וייס-גבאי ואלמוג בהר: שתיים, יצירה עברית וערבית צעירה ועכשווית, הוצאת כתר, ירושלים, 2014. [xl] סדרת מַכְּתוּבּ مكتوب, ספרות ערבית בעברית أدب عربي بالعبرية https://www.vanleer.org.il/he/content/%D7%9E%D6%B7%D7%9B%D6%BC%D6%B0%D7%AA%D7%95%D6%BC%D7%91%D6%BC