قصيدتان
غرق فرعوني
على ضفة البحر
كان يروي لزوجته تعب السنوات
يمدد أحلامه وينام قليلا
تُرى أين يذهب حكم البلاد؟
إذا اختصر الوقت هذا المكانْ
وراح يفكر في قصره
والبيوت التي نبتت في الرحيل
موحشٌ ذلك القصر يا سيدي
لم يكن بيننا ولدٌ يتشبث بالأغنيات
ويخضرُ في الطرقاتْ
فنحن نكرر أحزاننا
مللٌ نابتٌ في القصورْ
وهوىً ذابلٌ لا يدورْ
سيدةُ القصر تغسلُ أوهامها
وتحدث فرعونها
عن ضياع السنين
وعن حلُمٍ سوف ينبت تحت البذورْ
على ضفة البحر ناما قليلا
ولكنَها جفلت
ثم صاحت لفرعون قم
لقد زرع البحر طفلاً
فقم والتقطه لنا
ربما سنشيخ ونأوي إليه
ربما ينبت العمر ثانية في يديه
تحركْ قليلا
فصندوق ذاك الرضيع سيأكلُه البحر
أرجوك قمْ
نجمع العمر الذي انفلتا
أرجوك فرعون قم
إني رأيت هنا
طفلا على صفحات الموج قد نبتا
لقد مرَ وقتٌ طويلٌ
زرعتُ بذاكرة القصر ألف متى
وها سوف نحصد يا سيدي
نبعةً في الضلال
وريح فتى
“الله يا ريح الولد
ريح الخزامى في البلد”
الرضيع الفتى غارقٌ في مواسمه
فز من نومه وهو غافٍ على صدر موجة
ثم نام على زند فرعون
نام وفزَ ونام وفزَ
وصاف على صدر سيدة القصر
صاف كثيرا على صدرها وشتا
هكذا خيب القصر ظن الغرقْ
حين طاف الوليد بجدرانه وانطلقْ
متعباً كخيام البداة القدامى
شقيِاً كما نجمةٍ في الغسقْ
ودار به الوقت دارْ
سنواتٌ تدور على كفه
وفتىً حالمٌ باجتياح الديارْ
على كفه نبت الناس في لحظةٍ
ودار بهم في الدروب التي لا تُدار
ضارباً بعصاه البحارْ
مقلقاً نوم فرعون في كل يوم
ومن خلفه كان يركض
يركض يركض
حيث المدى شاسعٌ
والزمان استدارْ
الرضيعُ الذي كان يأكله البحر
ونام على زند فرعون
ها هو يحرق نوم القصور
ويرمي عصاه الشقية للبحر
ثم يغرق فرعونه وينام
على ضفة البحر نام الفتى مطمئنا
وصندوقه يمخر الان وجه البحار
وما بين ذاك الرضيع وفرعونه
كان بينهما الربُ منتشياً
كيف للوقت أنْ يُشترى
كيف للبحر أنْ يُستعار
***
قتيل الخضر
إلى الغلام الذي قتله “الخضر”
شقياً خرجتُ من الأرض
أكسر ما كان يصنعه والدي
وألوذ كثيراً بأطراف أمِي
عباءتُها حرسٌ من يديه
وشفاعتها رسلٌ طيبون إليه
هكذا كنتُ أخرج في الفجر
أوقظ البقرات بلكز العصا
وألملم بيض دجاجة جيراننا
ثم أهديه للرمل
بعدها
أنتف ما ظلَ من ريشها في المكان
الصغار الشقيِون في الحي مثلي
نغير مجرى الجداول
نكسر زيتونةً في الطريق
نهش الكلاب على امرأةٍ تملأ الماء في قربةٍ
ثم أضحك حين يقولون
هذا الفتى سيد الأشقياء
وحين كبرتُ قليلاً
بقيتُ على عادتي
في اختصار البساتين بالقطع
والنهارِ بشتم الذين يمرون من جانبي
واللهاث وراء اصطياد القططْ
هكذا كنتُ ريحاً
تمرُ على قريتي
وبقيَة عقدٍ من الصبوات انفرطْ
أبواي القريبان دوماً من الرب
لا يكرهان الصبيَ الذي حلَ في داخلي
الصبيَ الشقيَ العنيدْ
يدعوان الإله كثيراً
يصومان نذراً
ليحفظني من بعيدْ
شقيِاً خرجتُ من الأرض
لكننَي كنتُ أدرك أنَي سأكبرُ يوماً
وتنسلُ منِي الشقاوةُ شيئاً فشيِا
وأدرك أنَي سأغفو بعينين ذابلتين
تلمَان كلَ المواسمِ فيَا
وألتفُ ثانيةً بعباءة أمِي
وثانيةً تمسح الرأس داعيةً للغلام الشقيِ
بأن يفتحَ الله أبوابه بكرةً وعشيَا
وأدركُ أنَي سأمشي خجولاً
وأسمع جيراننا
يهمسون لبعضهم
كم تُرى كان هذا الأميرُ الخجولُ شقيَا
ستطفر لحظتها بسمةٌ من شفاهي
تقبِلهم واحداً واحداً
ثم ترجعُ نديانةً في يديِا
ولكنَ شيخاً عبوساً
تسلَل في آخر الليل أحلامَنا
لم يكن يتبَسم هذا العجوز
ولم يكُ يفرح بالعابثين الصغار
أمسكَ العمرَ من أذنيَّ
وأرداه في الأرض خوفاً طريَا
ما الذي يفعل الشيخ يا رب
وماذا صنعتُ لهذا العجوز
لكي يُخرجَ الوحشَ من روحهِ
ويقولَ له غيِر الآن حلْمَ الفتى
واقتلِ الآن من ظلَ في طينه آدميَا
صرختُ
ولكنني كنتُ وحدي الغلامَ الذي مات طعناً
ولكنَه ظل في حضن تلك الفقيرة حيَا
صرختُ ولم يخرج الناس من نومهم
أبواي يظنَان أنَي عبثتُ بِمجرى المياه
ولكننَي كنتُ أعبثُ بالطين والدم في راحتيَا
صرختُ وكان برفقتهِ شاهدٌ
لم يحرِكْ عصاه
ولم يقترحْ للحياة صبيَا
أنا تائهٌ يا إلهي
لماذا بعثتَ العجوز ليقتلَني
كان يكفي بأنْ توقظَ النهرَ ليلاً
وتسحبَني نحوه بخطىً باردة
كان يكفي بأنْ تأمرَ النهرَ
يشربنُي دفعةً واحدة