فكر حر وإبداع مغامر
ما الذي يتوخّاهُ المثقف العربي غير لمّ شتاته الفكري والثقافي الذي خلّفته وما فتئت تخلّفه الزوابع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية من حوله؟ وهل هناك ما يرجوهُ سوى اعتدال مناخ حياته واستقرار فصولها؟ وكيف يستطيع الحفاظ على قلبه الثقافي نابضا والإبقاء على دمائه الإبداعية سارية في شرايينه وفي عروق جسده الإنساني المجتمعي الذي يحيا ويتطور بناءً على الإنتاج الفكري الحرّ الذي لا يحدّ رؤيته كفرد؟
إنها بلا شك تساؤلات راودته وما زالت تروم إدراكه لمستوى عمق أزماته، ومدى وعيه بواقعه الراهن، وما يستوجبه هذا الأخير من أفكار وتأملات وأصوات وتجارب، تؤكد أو تفنّد سابله.
لقد رأى المثقف في إشراق مجلة “الجديد”، قبل سبعة أعوام، رحلة نور يبدّد بعض الظلام المعرفي الذي ما انفك يتراكم سواده في العقول مع تراجع الإبداع ونقصان الاهتمام بما تنتجه الأفكار. ومن ثم، فإن هذا المنبر العربي الجديد للفكر الحر والإبداع المغامر جاء في وقت تحتاج فيه الثقافة العربية إلى كنس أرض بلدانها مما خلفه الصراع التاريخي للفيلة فوقها من جثث نمل ومن دمار وبشاعة انعكست على حاضر ومستقبل مختلف الكائنات.
على امتداد سنواتها السبع حاولت “الجديد” تحليل الأحداث والوقائع ومناقشتها وتحديد شكل الوجه الحضاري الذي شوّهته أيادي الشر المتآمرة على حرية الإنسان وكرامته وعلى حقه في العيش سليما وسعيدا وآمنا. كما اعتنت “الجديد” بفنون الكتابة وبجرأة البحث والنقد، واستمعت إلى الأصوات الأصيلة والحديثة، المشهورة والمغمورة، وأحاطت إبداعات الكاتبات والكتّاب بعنايتها في نشر ما يغني الحوار الأدبي والفكري، وخاض في غمارها المفكرون والأدباء والفنانون والكتاب والمترجمون، عربا وأجانب، متطلعين إلى إحياء تراثهم وإعادة قراءته وكتابته، وإلى خلق تصورات جديدة للحاضر وللمستقبل، وتقديم نقد بناء على أساس واع وناضج ومتحرر.
يشكل كل عدد من أعداد مجلة “الجديد”، التي تناهز المئة (84 عددا)، عالما ثقافيا متكاملا، تتعدد فيه طبائع الأعمال، وتتجدد الأساليب، وتتفكك الأفكار، وتختلف الآراء وتحتفظ بحدود النقاش الواعي المسؤول؛ وهو ما يتيح للقارئ الاستمتاع بأكبر قدر من الأجناس الأدبية والنماذج النقدية، ويمنحه فرصا للتفاعل وجعل عقله أكثر استجابة وتقبلا للتصورات الثابتة والجديدة على السواء، عدا أنه يحرر روحه من اغترابها ويقربه من ذاته الإنسانية بما يميزها من عاطفة وإرادة.
وبهذا يكون المثقف العربي شاكرا لنعمة عيش هذه التجربة الثقافية العربية الجامعة، التي تبرز منجزاتها الفكرية والإبداعية جمال ملامحه الإنسانية.