سيجارة
لا أبالغ إن قلت إنني لا أُطيق النظر إليها، وإن علاقتنا كانت من بدايتها خاطئة؛ لكن يبدو أنني اعتدت على الحياة معها، كما نعتاد بمرور الوقت على أشياء كثيرة في حياتنا، ولم أعد أفكّر في مسألة انفصالنا، لكن ما حدث اليوم جعلني أعيد التفكير في الأمر.
صارحتها بأن الحياة بيننا باتت مستحيلة ولا بد من أن نفترق، فلم تعلّق وأدارت لي ظهرها، ولم أكن أعلم أنها سترد عليَّ في الوقت الذي تراه مناسبًا.
ولم يطل انتظارها.
أخبرتها البارحة قُبيل أذان الفجر بأنني قد عقدت العزم على الصوم غدًا تقربًا إلى الله، وطمعًا في عتقي من النار؛ فلم يتبق من العُمر قدر ما مضى منه، فوجدتها فرصة مثالية لمعاقبتي.
ليتني لم أصارحها، ولم أسمح لها بقراءة رواية “الاحتلال”، فمنذ أن قرأتها وهي تفعل معي ما كانت بطلة “آني أرنو” تفعله كل صباح مع زوجها.
نهرتها في ذلك الصباح بأن تكف عن العبث “ألا تعلمين بأنني صائم اليوم”، وأوليتها ظهري، فغضبت، وشعرت بأن نظراتها تخترق ظهري وأنا أتقلّب في فراشي علني أستطيع النوم. ولمّا فشلت أزحت الغطاء عنّي، وحاولت أن أشغل نفسي بمحاولة كتابة ولو عدة أسطر في روايتي التي لم أنتهِ من كتابتها بعد.
جلست أمام الحاسوب الذي ما أن أضاءت شاشته حتى فوجئت بها تبدأ ممارسة بعض التمارين الرياضية بلباس ضيّق ومثير بشكل يؤكد أنها ابنة الشيطان بالفعل، الذي يبدو أنه كان مشغولاً يومها بغيري، وترك لها مهمة إغوائي.
قالت وهي تنقر بأصابعها على حافة المكتب:
– لنرَ ما إذا كان بإمكانك تجاهلي.
لم أعلّق، فجلست على المكتب وأخذت تهز ساقيها، نهرتها:
– فلتتوقفي عن هز ساقيك اللعينتين.
تساءلت بغنج:
– ماذا، أتشوشان ذهنك؟
رددت في حدة:
– يبدو أنك لا تعرفينني جيدًا رغم كل الأعوام السوداء التي أمضيناها معًا.
لم يخفَ عليها ضعفي، فردت ضاحكة:
– بل أعرفك جيدًا، لذا ها أنذا أنتظر لأرى ما يمكنك فعله بدوني.
نفد صبري، فوبختها:
– انظري، إذا كنت تتصورين أنه لا يمكنني الاستغناء عنك فأنت واهمة، وأقسم بربي إن لم تغربي عن وجهي حالاً وتتركينني لشأني فسأمسك برأسك وأضعه في قاعدة الحمّام.
وليت لساني قُطع قبل أن أقول ذلك؛ فمن المؤكد سيكون أهون على نفسي من أن أراها تستقيم واقفة، وتضع يدها اليمنى على خاصرتها وترمقني بنظرة نارية، وفي اللحظة التي دفعني تصوّري الخاطئ للاعتقاد بأن المواجهة قد حُسمت لصالحي، وأنها لا بد ستنصرف الآن مكسورة الخاطر، فوجئت بها تضغط برأس سبابة يدها اليسرى على أحد أزرار لوحة المفاتيح، وهي تقول في تحد: لِنرَ ما الذي يمكنك فعله!
وفي لمح البصر أصبح ملف الرواية في خبر كان!
أُسقط في يدي، اشتعل شعر رأسي غضبًا؛ قبضت على عنقها وجررتها إلى الحمام، وغطّست رأسها في قاعدته بغلٍ “هذا المكان يليق بعفنة مثلك”.
فوجئت بضربة قوية على رأسي من أختها التي انتشلتها وأجلستها برفق، وناولتها منديلاً ورقيًا لتجفف نفسها، ثم التفتت نحوي غاضبة: كأنك لا تعلم أن خلفها جيشًا جرارًا، وكلما فكّر تافه مثلك في فعل ما فعلت للتوّ نريه أيامًا سوداء، وقلّما تأخذنا الرأفة بأحد ونسامحه على ما ارتكب في حق واحدة مِنّا، مثلما أشاور نفسي في أن أفعل معك الآن إذا ما أعلنت توبتك بدورك، وأكدتها عمليًّا.
تساءلت:
– كيف؟
فأجابت:
– أن تشعل سيجارة.
ورغم حزني على حرماني من ثواب صيام يوم عرفة، وضياع ملف الرواية من الحاسوب، لم أجد أمامي من خيار سوى أن أمتثل لأمرها وأشعل سيجارة، وأحني رأسي صاغرًا وهي تقول بنبرة المنتصر: الآن يمكنني البدء من جديد.