هذه القبلة كانت لي
شامتي اليسرى
ربما يكون تمييزاً،
أن أحب يديَ اليسرى أكثر من اليمنى
فعليها عرقٌ أخضرٌ بارزٌ
من شراييني
والأخضر هو لونيَ المفضل
وعليها، في بدايتها من ناحية قلبي
شامةٌ صغيرةٌ لم ينتبه إليها أحدٌ سواي
ولكنها تذكرني بشامتي الكبرى على ظهري، التي لا أستطيع أن أراها إلاَ في المرآة
وكأن هذه التي أراها هي ذكرى صغيرة من تلك الكبيرة
لتقول لي دائماً: لا تضعي التاتو على ظهرك
فمساحته لي
وأنا مثلك أحب الانفراد في مساحاتي
نفسها هذه الشامة تقول: بدايةُ هذه الزاوية القائمة من الكتفِ لي
وامتدادها الذي يمر عبر ذلك العرق الأخضر الذي تحبين، هو أيضاً لي
والكف الذي ربما يطبع مارقٌ قبلةً عليه، ثم يدور بظهره ويغادر، هو أيضاً لي، لأنه في الغالب هذه القبلة كانت لي
لكنه مستعجلٌ لئلا تستعوقه حبيبته، فلم يُتَح له الوقتُ ليراني
فاكتفى بأن يُظهِر الإعجاب على هذا الشكل، وغادر
وكذلك الحَلَق الوردي بصوته الخافت، الذي ترتدينه مع فستانك الأبيض، هو لي
أمَا خصلة الشعر التي تنسدل على جسدي بين الحين والآخر،
مانعةً عنيَ الأوكسجين أحياناً
ومثيرةً لغيرتي أحياناً
أدرك أنها ليست لي
فأعلمُ جيداً أنَ شعرك الفوضوي كما أنا، عصيٌ على التملك
وعصيٌ على التحجب
ولن يُتاح لأحدٍ سوى أن يُظهر بعضَ الإعجاب له
ويغادر..
****
سجود
يا إلهي..
كم أنا متعبة
متعبة، ولكني لا أحتاج للراحة
في الغالب
أحتاج إلى السجود
لا يهم إن كان حنفياً أو مسيحياً أو حتى بوذياً
لكنني
أحتاج لأن أسلَم لك أمري وكل أموري الدنيوية
يا خالقي..
فيدي اليمنى تؤلمني بشدة
ربما لأني كتبت الشعر بأختها اليسرى فغارت؟
ولكن لا أظن، فهي تعاندني من قَبلها
أو لأكن منصفة، ربما أنا من كنت يعاندها
لأنها في الحقيقة لئيمةٌ منذ الصغر
وأنا لا أحب اللؤماء
أو في الحقيقة ربما من حقها
لأنني وقتها، لم أراعِها وبقيتُ أعصر الليمون في رأس السنة وقتاً طويلاً، ولم أنتبه إليها ماذا حلَ بها
لأنني في الحقيقة كنت منشغلة بدموعي
فأخوتي الكبار كانوا قد طلبوا منيَ عصر الليمون بقسوةٍ، دون أن يراعوني
فهم أيضاً كانوا منشغلين بحزنهم
جراء انقضاءِ سنواتِ عمرهم بغصاتِ الصِغر
ولكن أيضاً لا أظن
لأنَه في الحقيقة، جزأيَ الأيمن بأكمله يؤلمني
يدي، أذني وعيني وحتى الجزء الأيمن من رأسي
يؤلمني
ترى ماذا به هذا الجزء؟
أتراه مركزُ التفكيرُ
ولأني أشعر أكثرَ مما أفكر
انتقم مني التفكيرُ بأن يجعلني أفكر
بألمه
لا أدري، لذا أنا محتاجةٌ لأن أسلم أمرَي
فلم أعد أستطع التفكير بهذا الألم
ولم أعد أستطيعُ أن أُفكر، لمن ألجأ
لذا وأقولها حقيقةً أحتاجُ لأن أسجد
فربما سأجدُ نفسيَ أتلكأ
فأنا أعرف الرحمةَ منك، وقد جربتها كثيراً وكثيرا
لكني في الحقيقة، ربما أتلكأ لأنعمَ بمزيدٍ من الرحمة ومزيدٍ من القوة
فلا أحتاجُ لأن أسجد، ولا أحتاج لأن أهدأ.
****
اعتذار
يقولُ لي صديقي: أنا متعب
وفي الواقع، وفي حقيقة الأمر
كنتُ أتمنى، أن أقول له: وأنا كذلك
لكني، كنتُ أفكر في أمي التي تنتظرني
وربما، إن أطلتُ المكوثَ في استراحتي، تكون قد رحلت هي عن محطتها
كنتُ أتمنى أن أقول:
أنِي تمنيتُ أن يتجمدَ الوقتُ في كل لحظةٍ امتدت يدك فيها لتُحيطَ خصري
فأبقى في أقل مسافةٍ تُمكن، من ثغرك
فلا أحتاج عندها إلى عشرين هرتز لتسمعني
أقولُ أحبك
كنتُ أود أن أقول لك أنني أودُ أن أبقى، لكن، ليس لدى أمي الكثيرَ من الوقت
فشكراً
ليَدك التي امتدت لتُحيط بخصري
فقد كانت جبلاً أسندتُ عليه لبرهة
تخيلتُ فيها، أننا هناك على البحر، مثلاً، ومازالت يدك تحيط بخصري
كانت برهةً
استنشقتُ فيها الهواء ببطءٍ وأغمضتُ عينيَ
أخرجتُ كل ما في صدريَ من ثقل الزفير العالق
وحين انتهيتُ، فتحتُ عينيَ وكلي فرحٌ بوجودك
لكني ربما تأخرتُ في آخر زفرةٍ أطلقتها، علَني أُخرجَ كل ما علق من أنينٍ صَدِئ
فلا أدري إن كان قبلها أم بعدها، لَملَمتَ ما خرج مني من زفرات، وغادرتَ
ومع أني لا أدري لِما غادرت، ومتى
لكن
عندما ستلتقي بأخرى، سأطلب منها أنا، أن تُمهِلك وقتاً أكثرَ من هذه البرهة
فقد كان بوديَ أن أفتح عينيَ، فتراك
أو تراني، بعد عطبِ اللهاث
فللشوق سحره، وللحب سحره دون أن يكونا على عجل..
يقولُ لي صديقي: حاولتُ وحاولتُ، ولكن أنا متعب
وأنا مُحتار
وأنا لا أدري
وأنا لم أستطع فعلَ شيء، فأنا متعب
ربما كانت المشكلة، هي في الكثير منك يا صديقي
أما أنا، فلم يبقَ لدي سوى القليلُ مني
خبأته فقط
ليشتاقكَ
فبعد أن أخذت الحياةُ قليلاً والحرب كثيراً
وأمي بعضيَ الأكثر
لم يبقَ مني سوى القليلُ، يصمتُ أمام كثيرك العنيد
وفي الحقيقة، أنا أكذب عليك
فليست أمي وحدها مَن تنتظر
فأطفال المخيمات كذلك، وربما لا يعرفون
لكنني لم أقوَ على قول ذلك لك
فأعلم أنك ستهزئ بي، كمل فعل كثيرون، وستردد
“هذه مشكلةٌ كبيرة لا قدرةَ لنا على فعل شيء فيها”
وأعرف أنك لا تؤمن
أما أنا يا صديقي، فدائماً ماكنت أؤمن
وسأبقى أؤمن
أنَ هناك دائماً ما يمكن أن يُفعَل
نعم سأعملُ ولن أعمل
سوى لأطفال المخيمات
فعندما سيشتكي ذاك الطفلُ لله، لا أريدُ أن أكون من بين المُلاميين على تقصيري
لذا ومثلُ أخي، أنامُ وعلى ظهري مخدة
ليس لأكون أوليس في مركب أو سيزيف عند صخرته
بل لكي أتذكر في كل لحظة، أنَ هناك أطفالٌ يثقل كاهلهم الوجع
فأنهضُ بسرعة
سأعملُ لأطفال المخيمات ولن أفكر بهم، فلا رفاهيةَ التفكير لدينا
سأعملُ لهم، وربما لي، فقد كان يمكن أن لا أنجوَ من احتمالية أن أكون بينهم في خيمةٍ ما
نعم إنني سأعمل لأنني لن أقول شيئاً، فمن أنا لأقول لكم
أنا راقصةٌ فوضوية الشعر، ألعبُ النرد كثيراً
أربح قليلاً وأخسر غالباً
سأعملُ لأطفال المخيمات ولن أبوح لنفسي بالأرق، ولن أبوح لنفسي بالتعب، فهناك من ينتظر
من ينتظرنا لعلنا نخفف جراحهم
لن نداويها، ولن نمنعها
لكن لنقول لهم وهم من ينتظرون، أننا لم ننسَ، ولن ننسَاهم
سأعملُ، لأنَ ليس لهم سوى الريح
فالكردي له الأرض، وله التاريخ، وله اللغة
أمَا هم
فليس لهم سوى البؤس المعشش بين ثنايا حبال خمية، تهزها الريح في غدرٍ مُبيَتٍ وكأنها اتفقت مع باقي الطغاة عليهم
تهزها الثلوج، يهزها القهر والعوز
استغلال البشر وقسوتهم
وسياسات الدول وتناحرهم
وأكاد أتخيلُ كم يشعر الموت بقسوته ووحدته عندما يتسلل بينهم
لذا
ولأني أعلم ما يعنيه الانتظار
أعتذر لكَ عن استعجالي، ولهم على طول الانتظار..