أُصص الرَّغبات

راودني الإحساس لحظتها، أنها قد التقطت تسريبات، بطريقة ما، عنّي، وكل أنثى عنكبوت، تعرف متى وأين وكيف تغزل حبائلها حول طريدتها، أو، لنقل، تابعت شذرات متناثرة عن شخصيتي، ربما بخارق شيطنتها، أقول ربما، وهذا لم أستبعده كاحتمال ثانٍ، أن بستاني قد أوضح لها جوانب كثيرة من أسراري. قالت: اسمي ساره! ربما، بسبب دوافع مركونة في ذاكرتي، دفعتني أن أقبل بما قالت، ومضيت معها، تعويضًا عن سارات تركن فيّ مسراتهن، وصرن من ألاعيب الخيال.
***
ربما هي بلا أخ أشبهه أو يشبهني، ولهذا الكلام حكاية سترد في سياق حكايتي، لوجود وشائج قدرية، أو هي لعبة من ألعاب الصدف، شطارتها منحتها فرصة تغريد أحلامها بمهارة فتاة تمتلك تجربة عاطفية. حاولت، ظننت أنها تحوك حولي أنسجة أزمنة متقدمة في التطور البشري، كنت أتمعنها لوعة وحيرة، ولم أكن كما كنت، كثغر يرتبك أوان الكلام، نظراتها ناطقة، ممتلئة حياة، ولم أثق من توقعي أنها لم تعشها، ربما أخطأ عقلي التصور، حياة ربما تُليت عليها، وربما هي حقًا قد عاشتها، ولنضف توقعا آخر، أنها قد حلمت أن تعيشها، ودفعتها غريزتها الجامحة أن تستطلعها، أو كما صرحت لي: حزمت حقائب حريتي وجئت مغامرة.
***
سارة م.. تحاورني، غاطسٌ في حضرتها، في جائحة رغبة، أشعر بمتانة حاجز وهمي يستقيم فيما بيننا، كساتر حربي رصين ضد كل أنواع الأسلحة، ملغوم، دائمًا وأبدًا، بالمتفجرات والأسلاك الشائكة، وكلّما رمت اختراق اللحظة الماثلة للوصول إلى غايتي معها، أوان اختلائنا، نتحاور مرتبكين، نظراتنا تتصادم وتتقهقر، نخوض مجاهيل الشعر وملابسات الحياة، نتبادل إرهاصات قلبينا بلسان يتلكأ، تغرد بشخص يشبهني، مرتعدًا أعطيها شحنات على ورق يرتجف، متيقنًا، إنها كانت تدرك مرامي كلماتي، لا أقول هذا جزافًا، لا أقولها تخمينًا، رأيتها تتغاضى، تتمرد، رأيتها، تلملم نفسها وتقترب، وغالبًا ما عند وهج اللحظة تباغتها صحراء الأمل.
***
لم تكن سارة م.. وسارة ي.. بعيدتين عن سارة سابقة، حطّت كطائر راغب أو شارد، على غصن يانع من أغصان شجرة عمري، تلك سارة أخرى، سارة ت.. ميزتها، في العشق أمتعهن وصوتها كان أكثر دفئًا، ولنظراتها، هات الليل وخذ العتابة.
شطارتي وذكائي، كما تنبأت، كانتا منهلًا لما يؤرقها، اتخذتها شجرة استظلال لدفع هاجس غربتها، زملاء الدراسة أغرقوا أفكارهم في طيش الحياة، وكنت دافعًا بملذات المراهقة خارج حسابات العمر، كنت أرتب أوراق تفوقي، وكانوا يبتكرون وسائل لهوهم، لهذا السبب لاصقتني، أينما أمشي، حيثما أقف، كانت تأتي من غير استحياء، وقبل أن تلقي سلامها، تطرح علي أسئلة عشوائية مشكوكة المرامي، ألعاب أنثى ناضجة، نتمازح، نتناظر، في عينيها كلام، وبعد لقاء ولقاء، تركنا أوعية الشكوك تدلق ما وراء مخاوفنا، بدأنا نجرّ الهواء وجدًا، ونلفظ هواجسنا تزامنًا، شغلتنا حكايات شذر مذر، وساقتنا أقدامنا، لنخوض أشواط تسكع في فضاء الحياة، رصدت شدّة احتراسها، رغم جديّة تلاحمها، تحسست لهيب مشاعرها، وقبضت سريعًا حزمة حواجز نفسية كانت تردعها كلّما رمت ترتيب أوارق رغبتها وتطرح سؤال عينيها.
بدأت ترافقني، نتسكع في شوارع مزدحمة، ندخل دور السينما والمسارح، وذات خلوة حاولت أن أفتح باب حياتها، أعطتني قفا الفكرة:
– كان حلمي أن أكون مهندسة.
– بوسعنا أن نكون.
– نحتاج إلى ضربة حظ.
– علينا أن نثابر لنكن من العشرة الأوائل.
– سنتعاون أن نكون.
***
سارة م.. بكالوريوس علوم الحاسبات، دفعتني رغبة فتح باب مشروع حياة معها، كنت أكاتبها رغباتي نثرًا، وكانت تغرد لي بما أغرد لها، تناصفنا قناعة مشتركة، توازنت دوافع أناها ودوافع أناي، أدركت إدراكها، وأدركت إدراكي، كنت أقتحمها شعرًا ونظرات، وكانت تقتحمني شعرًا وحسرات، كانت تناور لتقبض على عنق حلمها، تلتمسني، لكنها، آه.. لكنها.. آه.. تنسحب جافلة لحظة الإشراق.
***
لم تكن سارة ي.. شاعرة كما كانت سارة م.. شعرها عمق نظراتها، كانت تفترسني، تجوب أغواري، تستظل ذاتي، ألفيتها بعد كل تحديق تنام على سرير قلبي، وأنا معها، أبحث عن وازع يؤهلني فتح نافذة لهبوب ريح رغبتي إليها، ربما، مجرد فضول سؤال يستيقظ في خريف العمر، ربما، أقول ربما، كانت مثل سارة ت.. تعرف وتستغور مكنون نظراتي. قالت:
– المصادفات في حاجة إلى تمعن، واللقاءات العابرة ليست المطر المأمول، حسب قناعتي، محض قرارات، أو لنقل، تفاسير خاطئة تبرقها عيون مشغولة بأمرٍ ما.
– لكنها ملح الوجود وسر تفاعلاته.
– لا أحبذها.
– أنا من عشّاقها.
– قد نصطدم بملابسات تعيق، أو تحرمنا من لذة الفرصة.
– رُبًّ صدفة غير من ألف…!. قاطعتني:
– رُبَّ نافعة ضارة أيضًا.
***
سارة م.. فهمت غاياتي، أعلنت صراحة أن ما بينها وبيني تكرار لما يربطها بأخيها، صراحتها منحتني ثقة كاملة، انساقت تتشكل وتذوب فيَّ، أعلنت، أنني أهواها، اهتمامي براءة، ليكن الحب بيننا قدسيًا، بلا أطماع نفوس، وأوجاع قلوب، ليكن الحب، زادًا للشعر، ونهرًا راويًا للأمل والحلم والمستقبل، ليكن حبنا، لا شهوانيًا، حبًا معنويًا، ولم لا…؟
أقرَّت، إنها بدأت تشعر بجمال الحياة، اكتشفت أشياء كثيرة رهن الاعتقال لم تتلوث بعد، صارحتني، إنها ستمنحني قبلة، أكدت، قبلة واحدة لا غير. وطلبت مني، أن لا أفهمها، على أنها مفتاح شهوة، أو مفتتح للولوج إلى متجر طافح بالآثام. راحت أيامي تتباطأ، صراع عاطفي يلوّعني، جحيم مراهقة تسهرني، ويمتد سؤال الفضول: كيف هي طعم قبلتها الأولى؟ أيّ حلاوة، أيّ عسل، يتواجد في ثغر فتاة مسيحية؟ كيف أقبلها؟ أهي قبلة سريعة؟ أم قبلة طويلة؟ وهل يسمح أنفها وصول ثغري لثغرها؟ أم أن أنفها وأنفي سيشتبكان في صد ورد، سيحرمان ثغري/ ثغرها من ملامسة ثغرها/ ثغري؟ وهل بوسعي أن أحتمل ثغر فتاة تلتصق بثغري؟ ما طعمها؟ هل للعقيدة تدخّل في لون وطعم الحب والعاطفة؟ يأخذني الليل عبر متاهاته، تضججني بأسئلة تحرق أعصابي، تشتتني أفكار ضبابية، ويتصارع فيَّ جنون الظنون.
لا أملك صلاحية طلب برهان للوعد، كنت أتحسر لقبلتها، أريد أن أعرف، لونها، طعمها، سحرها، يرتبك قلبي، ويضيق صدري، أقنع نفسي، ربما نست وعدها، ربما، أحاول ترويض غريزتي، ربما، دعابة أطلقتها في لحظة نشوى مارقة، أو رغبة فتاة ماكرة ألقت طعمًا لتختبر غاية ومرامي زميل عابر خلقه الله يشبه أخاها.
***
سارة ي.. لم تشتهِ كما اشتهت سارة م.. أينما كنّا نتجول، نخترق أزقة خانقين، تقف لصقي، توقف شابًا عابرًا، أو شابة، تمد جوّالها، وتضع كفّها على كتفي الشمال. لم الشمال؟ أقول لها، تضحك وتلصق ثغرها بأذني: هو خلقنا من ضلعكم اليمين. وأحيانًا، تطوّق عنقي بذراعين كالحليب، لتغطيني بأنفاسها، تخدرني، وتمنحني فرص تقبيل موصول، وتبقى ضامّتني في عناق مجنون. نتجول عبر أزقة “المزرعة”، زقاق يلقينا إلى أحشاء زقاق، وعيون الصبايا واقفة لا ترمش، وقلوبهن مسموع النبض، نخترق ممرًا بستانيًا نحو “أركوازي”، نخترق “بانميل”، قبل أن نتقهقر نحو “باش كوبري”، نقف، يغرينا الماء الهارب، تنحني، تمد كفّيها، وتطش حفنات الماء، ونواصل سيرنا، مركبات تزمّر، لا نعيرها بالًا، الكل يروم توصيلنا، مركبات أجرة، مركبات خصوصية، يزمرون ويمضون، سواء غايتهم توصيلنا، أو هي معابثة لا أخلاقية مألوفة لدى من حاز على إجازة سوق خالية من فقرتي الذوق والأخلاق، نواصل سيرنا المتمرد، نصل “مي خاس”، نقف على بقايا خرائب شباب قطعوا الطريق ما بين “خانقين وكلار” بسبب تردي الأوضاع المعيشية، وعدم توفير فرص عمل، كما وعدت الحكومة الجديدة، شباب البلاد، ندور عبر الحقول، نخوض تشرنقات “توله فروش”، نتقهقر إلى “بان آسياو”، ونعرج إلى أحشاء المدينة، منزلقين إلى “كويجه باخ”، نصل إلى “إمام عبّاس”، ومن هناك نغيّر مسارنا عبر “آلياواه”، كما لهجتها، إلى “كاريز” نمشي بمرح وجنون، نفتح ذراعينا، نستنشق هواء نديًّا يكبس أنفاسنا برائحة النخيل وخرنوب الحقول. ومنبهات مركبات مارقة تزعق من حولنا، حرشة أظن، أم هي دعوة لتوصيلنا، لا أظن ذلك. أطحن سرًا: “ماذا لو علموا أنها يائية؟”. ربما، أقنع نفسي، ربما، هذا الأمر لم يعد من مهلكات ومزهقات النفس التي حرمّها الله، لكن، ماذا لو، أزيد من محنة السؤال، ماذا لو علموا أنها وافدة من يائيل؟ يقينًا، سيرجمونني قبل أن يرجموها، حاملو أعشاش اللقالق على الرؤوس، أخاطر وأضيف، أخيرًا، هكذا سيصرخون من فوق المنابر:
“مدينتنا تدنسها أقدام الجواسيس يا عباد الله”.
نمشي، أفكر، وبستاني يأكل عقلي، ماذا لو اكتشفوا سرّنا؟ سيروح فيها بستاني حتمًا وليس هذا تخمين، كل شيء وارد في يومنا هذا، ما زالت العيون تبصبص وتتصيد الجمال، حتمًا، ستعج المدينة بفكرة جلب الماسونية إليها، تحت عباءة خيمة الشعر، شعراء شباب اجتمعوا على الإثم والعدوان، تحت غطاء أغاريد قلوبهم، في وضح النهار، سيقولون هذا صراخًا، من أجل صناعة حياة رذيلة، يا عباد الله، أوهام الثقافة مزالق ومشانق. سيقولون هذا بدم فائر، برأس يسقط عشّها جرّاء نفور وحش الغضب فيهم.
***
سارة ت.. تنماز عن سارتي ع و م.. رصدتها تحترس غريزتي، خمّنتها، تشم عطر عاطفتي قبل مرافقتي، تحدق في عيني، تريد، أو تحاول رصد فنار عاطفتي، قبل أن تطاوع وتلاصقني براحة البال، تجرأت أن أخترق حاجز الوهم الذي يفصلنا، في سينما بابل شاهدنا فيلم عمر المختار، أرسلت يدي تلامس يدها، امتناعها ردعني منحدرًا، متدحرجًا إلى دوّامة مستنقع الأسف والندم، ضاق صدري وانكبس. فاهت:
– كاردو، لا تحطم هذا الجسر الجميل الذي يربطنا.
– الشيطان استغل غفلتي.
– كن صادقًا، أرجأت خطوات الحياة العاطفية لما بعد نيلي شهادة الهندسة.
– أقر وأعترف أنني قد أخطأت، أرجو قبول اعتذاري.
– سيبقى اعتذارك معلقًا في فضاء الصداقة، حتى تثبت حسن نواياك.
مضت أيام طويلة قبل أن تباغتني:
– أما زلت تتحسر على ما فعلت؟
– ستزول الحسرة حين تنزلين اعتذاري المعلق ما بين الفضاء وبين ههههه ثغرك.
ضحكت وربتت كتفي بيد رومانسية إلى حدٍ ما.
*

سارة م.. بقت قبلتها معلقة، وكنت أنتظر لحظة سقوط ثغرها على ثغري، أي زلزال سيحصل؟ مرّات كثيرة كنّا نختلي في غرفة ما من غرف دائرتنا، نتحاور، تقرأ لي أشعارها وأقرأ لها أشعاري، تغمزني مع كل كلمة، تهز شعرها، قلبي يكاد ينخلع، أكاد أفقد إرادتي وأهجم عليها، صوتها، رقصات غمازتيها، شاعرتني أن اللحظة قادمة، ستندفع وأندفع، ستبادر وأبادر، أروّض هيجاني، سترتمي وأرتمي بأيّ طريقة تفكر بها أو تناسبها، ستميل وأميل بطريقة ما عليَّ وتطوقني وأطوقها. ببضع كلمات صغت وعدها شعرًا، قرأت لي رغبتها، إطالة أمدها ستحولها إلى شجرة معمرة مثمرة، ستمد ظلّها في آفاق مراهقتي:
– لا تنتظر ذلك.
– لكنها فكرتك.
– رغبت إذكاء نيران شعرك.
– أشعاري احترقت، في حاجة إلى مطفأة تخمد نيرانها؟
– دعها تحرق أوراق حروبنا، دعها، توقظ النيام.
– ولكن.
– لم تنضج بعد.
***
سارة ي.. لم أكن أتوقعها إنها قد تطرح بضاعتها بسرعة مذهلة، في صباح اليوم الثالث، تقدمت منّي، طبعت قبلتها على خدي، أبقيت كفي على مكان ثغرها، لم تبال، تحركت أمامي متوجهة نحو المركبة، مشيت، كفّي يأبى أن يغادر منطقة محرّمة، مذ باغتتني سارة م.. ونقرت قبلتها على ذات المكان، فارق وحيد لا يخلط الموقفين، لم أفعل كما فعلت، لم أشعر بالكهرباء المزعوم، ولا بالزلزال المأمول، لا بتنافر الأديان، ولا بتشاحن العقائد، ولا بتضاد القطبين، في قبلة أنثى عابرة على خد مراهق ولهان:
– انتهت فترة التيه!
كركرت، وأردفت:
– أطلت أمدها لتشعر على أنها روتين محض، يجرمونها حاملو أعشاش اللقالق فوق الرؤوس.
قبلة سارة ي.. كانت خارقة إلى حدٍ ما، جاءت في لحظة عطش، كما نقر ثغري خد سارة ت.. يوم رافقتني إلى مدينة الألعاب، أقنعتها، وركبنا لعبة عربة الكهوف والأنفاق، فقدت وعيي، وتنازلت إرادتي أمام جائحة عاطفتي، ولا أظنها، كان مكرًا مؤجلًا جرفني أن أعانقها وأخطف قبلة سريعة من خدها، لم تبدِ تمنعًا، ولحظة لفظنا الكهف، بررت فعلتي:
– أعتذر عمّا بدر مني. سبق لساني لسانها.
– أرجو أنك قد تخلصت من رغبة ظلت تؤرقك.
– لكنني أريدها حياة.
– تذكر كلامي، لا تمزق رباط صداقتنا يا كاردو بشكليات عابرة.
***
سارة أخرى، لم يفصل بين مسكنينا سوى مائتي متر، أقارنهن، أضعها في ميزان القلب، أجدها تفوقت على بقيّة ساراتي جرأة ولامبالاة، بادرتني رغبتها، حدقتاها بحر غاضب، شعرها طويل ينحدر مثل شلّال اصطناعي يهبط ماؤه بمقياس ثابت، وأُخرياتي وفق تسلسلهن الزمني، على ما يبدو، كنَّ يولين وقتًا واهتماما فوق العادة لتسريحاتهن. سارة ي.. كانت توزع خصلات شعرها بتساوٍ على كتفيها وظهرها، بينما الميمية، كانت ترفع كَدلتها كعرف ديك، مع السماح لخصلات تنحدر على نهدها اليسار، والتائية، كانت أسلس شعرًا ولمعانًا، وكان ينحدر خلفًا لينكبس بكمّاشة ذات عروة بنفسجية، لم البنفسج دائمًا؟ قلت لها: الحياة لونها بمبي. صاحت.
سارة ع.. أكثرهن جرأة، كانت رسائلها بروق عينيها، ترافق نظراتها بسمات، أقرأها، دعوة صريحة لحياة مناصفة، أربكتني نظراتها، أرسلتني للتسكع، شاب مصدوم بكهرباء الخوف، بزلزال عاطفي خرج يبحث عن منجد، أو قاموس يشرح له سبل معالجة حمّى النظرات الأنثوية، لم يأخذنِ الحلم خارج مديات الكوابيس، جاءت من غير تشتت، وكان الوقت مساء:
ـ شلونك كاردو! استغلت وجومي. كتبت قصيدة ليوم الخميس، أحترم رأيك.
دست ورقتها بين يدي، واجم لا ألوي على شيء، مصدوم بين أنامله جرم مشهود، مضت تخطو، غالبت ظنوني، أصادق سريرتي، قصائدها رسائل شوق، خواطر عمودية تنبض بعاطفة جارفة تسكنها، لم أنتبه لمحتوى أوراقها، قفزت من انطراحتي منتصف الليل، أعدت قراءة أوراقها، وبعدما استقرت الحروف، وجدت نفسي مرسومًا بكلمات واضحة، نظراتي، طريقة مشيي، تسريحة شعري، هندامي، للأمانة أقول، حررت فيَّ جرأة، أهلتني لفتح قنوات عاطفية جارفة.
كانت تلك أوّل فاتحة لأبواب قلعة وجدي، قبل أن أغزو قلاع حفنة سارات مررن بقلبي.
***
سارة ي.. باغتتني، كنت منفردًا في جلوسي، كان بستاني ببسمته وارتباكه يحاول أن يقدم ضيوف مهرجانه، واحدًا واحدًا ينهضون ليقرأوا قصائدهم.
مددت يدي وإذا بي أهمس: سارة. فكّت اشتباك يديها من فوق عيني، وجلست لصقي، عطرها ضوَّع القاعة، خنق نعاسا استشرى فيَّ، عرفت رغبتي من خلال تحديقي.
ذات ظهيرة حزيرانية، أخرجونا غاضبين، لنطوف شوارع كركوك، هاتفين ضد أنظمة الفساد والاستعمار العالمي، وكنت مؤترقًا أحاول التملص من الحشود المتدافعة كأمواج البحار الغاضبة أوان الزوابع المدارية، متسللًا مضيت مخترقًا شارع “أحمد آغا”، أمام واجهة سينما “صلاح الدين”، كنت منشغلًا بالقلق والرغبة بالتواري عن عيون الوشاة، شعرت بيدين تغلقان عيني:
– أكيد هربت من الحكومة.
– أنبذ دخول التجمعات المساقة قسرًا.
– رأيتك وخرجت من بينهم.
– علينا أن لا نسقط في عيني واشٍ.
– لندخل إلى السينما.
– فكرة معسولة.
في ظلام متحلحل، صعد منسوب الرغبة، تململت يدها تلتمس يدي، سمقت حرارتي، وسلكت أنفاسي مسالك الحشرجة، انتفض قلبي، وجدت كتفي لصق كتفها:
– كاردو، في العتمة أذوب، لنحترم أنفسنا.
– لا أعرف ما الذي يعتريني عندما أكون معكِ؟ أشعر بقوّة ترغمني على ذلك.
– لنكن أصدقاء، كما أتفقنا.
– نعم أصدقاء فقط.
سحبت يدي، مدت يدها ووضعتها على كفي:
– كاردو، أنا جزء من مجتمع يحرمني من اشتباك عاطفتي بك.
– ليس في ديني ما يمنعني من اختيار أيّ شريكة من أيّ قوم أو طائفة أو عرق، ديننا جوكر الأديان.
– دينكم يسبح في كل الاتجاهات، وديننا يشطب هذا التشتت من العقول.
– لنكن أصدقاء، ربما الأيام ستأتي بأشياء جديدة، دفنتها أيد أمينة لم تمزقها من بطون الكتب السماوية.
انتهى الفيلم وخرجنا…
***
سارة ي.. لم تسمح لي متابعة شعراء المهرجان:
– لا أطيق سماع ثرثرات منابر اليوم. دغدغت طبلة أذني بذبذبات رغبة صريحة.
قامت وتبعتها، وأظنها قد اختارت اللحظة الخادمة، مستغلة جلوس بستاني:
– أرغب زيارة مقبرتنا.
– الناس تخرج إلى الطبيعة وأنت تبغين المقابر والطلول.
– خضت معمعة التحديات، وعبرت مزالق الموت، لا تميت رغبتي.
– حسنًا.. سأمتثل لإرادتك.
شقّينا طريقنا عبر اختناقات مرورية، وصلنا بقايا قبور شبه متهالكة، لمحتها تتمتم بكلمات مبهمة، يبدو أنها قد صلّت على أرواح الراقدين:
– صوّرني.
صورة إثر صورة، آه.. صحت، إنها سارة. كلمات تتجول في تاريخ محطم، هنا، يوجد رفات أجدادها، يوم كانت المدينة تزخر بالوئام، وتموج بتلاحم الأعراق البشرية، وتلاقح الطوائف، كانوا سادة التجارة، يتحكمون برقاب المال، وتلك صفة أزلية لا تتركهم، فيما بعد ساقتهم يتحكمون بأمور العالم.
أخرجت دفترها، حسبت القبور، نسقها، تقدمت مني، مسكت معصمي وقادتني نحو المركبة:
– ليتك تأخذني إلى بلدتك.
– محطمة، موحشة.
– لا بد من زيارتها.
– مسورة بإجراءات قاسية، بلدتي أحرقتها الضغائن والأحقاد القبلية.
– الحرب حربكم، ما أعنيه، جغرافية بلدة ساهمت في بنائها سواعد أجدادي.
– ما زلت أتذكر قبور أجدادك، كانت مُحكمة البناء قرب منطقة “اللوكا”.
– لا تحرمني من زيارتها يا كاردو.
– لكن الإجراءات صارمة يا سارة.
– أعيد لك ما قلت، لا يهمّني ما جرى، أريد تكملة نواقص بحثي، غامرت بحياتي من أجل حلمي الكبير، لا تحرمني من مستقبلي أرجوووك.
كان صوتها برق ورعد ومطر ناعم.
– يمكنني أن أتحفك بمعلومات جديرة عن زمن بلدتي.
– كاردو، رغبتي أن أكون في بلدتك، ملزم وغير قابل للنقاش.
– حسنًا، عليّ أن أفكر بطريقة تسهّل وصولنا.
– أظنها رغبة مشتركة، سمعت أنك بصدد كتابة رواية عن سقوطها.
– نحتاج لبعض الوقت.
– أرجوووك يا كاردو.
– حسنًا، يجب أن أرتب الأمور، هناك عراقيل أمنية.
رجعنا.. متحمسة وسعيدة، أجدادها هنا تواجدوا، بإخراجهم، تعطلت مركبة حياتنا، وتحولت بلادنا إلى طريدة تنهشها ضباع الأيام. في قضاء “كلار”، قدمت طلبًا تحريريًا لنقل أشياء منزلي تحسبًا لقدوم الشتاء.
منتصف الليل، وصلتني رسالة SMS تعلمني بتضمين اسمي ضمن قوائم ستوزع على نقاط التفتيش.
عند المساء، خاب مسعاي لإقناع بستاني، غاضبًا ومتخوفًا، وودودًا في معاتباته:
– ليس هذا وقت مؤامرات القلوب يا جناب الروائي.
– لا ترمينا بالبهتان.
– أين اختفيتما؟
– سأبوح لك بالحقيقة، ولكن، فيما بعد.
هدأ.. سحبته جانبًا:
– سارة ترغب في زيارة جلبلاء.
رمى سيجارته وسحقها بعقب حذائه، شزرني بنظرة عميقة.. صاح:
– تريد أن يشنقوها.
– رغبتها بركان.
– ستلقيني في تهلكة يا كاردو.
– رتبت الأمور، غدًا، أقدام سارة ستمر مخترقة أسلحة الجند لتطأ أرض عاش عليها أجدادها.
قضينا المساء، وردحًا من الليل على كورنيش “الوند”، كانت ليلة حافلة بالنقاش والشعر والصور والعشاء.
لم تهتم لما جاء من تحذيرات من لدن بستاني، كانت غاطسة كما كنت أتأملها، سارحة في عالم تسكنه، أو يسكنها، شربنا أقداح العصير، وتناولنا سمك مسكَوف بناء على رغبتي، وحولنا شعراء وشاعرات ضيوف مهرجان بستاني والدكتورة ر، كافلة الضيافة على عاتقها، كانوا يتناقشون ويتراشقون بأشعارهم وسط آهات كلّها كانت مجاملات.
– قد تزجنا في ورطة سياسية يا كاردو.
تدخلت سارة ي:
– من هذا الجانب كن مطمئن البال، لدي هويَّة صحافية عالمية.
– لا أحد يحترم الصحافة في بلادنا، لا تتحدثي بهذا أرجوك، قد توقعين نفسك في فخ التجسس، ونروح كلنا إلى أبوزعبل.
تدخلت:
– سارة، ستعطينهم دليلًا قاطعًا على أنك تروجين للظلم الحاصل، وتنقلين للعالم ما يجري من حرق ونهب وسلب وتجريف منازل، أرجوك، اعتبري نفسك، واحدة من عائلتي، بهذه الطريقة يمكنني أن أمررك بسلام، ولغتي سفينتي لعبور المضايق.
هزّت رأسها:
– لا تعدموا رغبتي، ستتحطم إرادتي لو فقدت هذه الفرصة المثالية، أرجوكما ساعداني.
أجابها بستاني:
– لا تذهبي بهذه الأسمال.
تدخلت:
– لا بد من شراء عباءة إسلامية وربطة أميرة.
طارت حمامات الغضب واضحة من عينيها:
-لا تسيئي الظن بما قلت، غايتنا تحقيق رغبتك، سندخل حقل ألغام وسط أناس لغتهم سلاح غير مُقيد الرمي، غير مشمولين بالمقاضاة، علينا أن نحتال لتحقيق غايتك، الصدق، في يومنا هذا، لا يحقق النجاة مع هذه الموجة العابرة.
***

“بانميلية”، وقالوا “أركوازية”، لكن بستاني عاند وأصر على إنها “تولفروشية”، يقين خبرها جاء على لسانها فيما بعد، إنها من أصول إيرانية، أصرّت وأقرّت على أنها “خانقينية”، جميلة، شجاعة، أقف وتدنو مني، تتظاهر بأنها تدرس رواياتي، تسأل، في عينيها أجد أسئلة تخالف أسئلة لسانها، لا تتناغم مع ضربات قلبها، أسئلة تأتي من أغوار تنفتح في حضرتي، وتنغلق في حضرة العالم، تمردت على واقع حال المدينة:
– لا تستخدمي معي “الكلاوات”.
– الروائيون لا يخطئون التأويل، هم أكثر أصناف الأدب “كلاوجية” ههههه، مستحيل أن تعبر عليهم “كلاوات” العذراوات.. ههههه.
اعشوشقنا في ظرف شهر من لقاءاتنا، كانت تهاتفني، وتأتيني، كلّما أتواجد في موقع عملي، معتزلًا، مشغولًا بالقراءة، أو مراجعة أوراق الليل، دائمًا في الظهيرة، بعدما ترجع من كلية “كَرميان” تباغتني.
– أخي.
– ما زلت تراوغين، لا أحبذ هذه الصفة عند جلسائي.
أطرقت رأسها إلى الأرض، وجدتها، هذا ما قرّه خيالي، إنها تستجمع تشتت خلايا إرادتها:
– لكل واحدة منّا طريقتها الخاصة للوصول إلى حلمها.
– طريقتك مثلى.
– المهم تقنعك.
بنت فلاّح جاء من إيران وتزوج فتاة يتيمة، عمل عند مختار قرية من قرى “علياوه”، نجح في تكوين أسرة والحصول على قطعة أرض زراعية، ويوم الجينوسايد وقفت حوضيات عسكرية طوقت القرى لتهجير أهلها نحو صحارى الحياة، اصطحب زوجته وغادر “علياوه” قبل وصول قوافل الجيش، استقر في مدينة الثورة، عمل في علوة جميلة. لم ينج من مخالب الحرب، ساقوه ضمن كراديس الجيش الشعبي إلى خطوط النار، ورحل بقذيفة هاون في لحظة تبول خلف الساتر.
عادت العائلة إلى خانقين، إثر تعالي صيحات التنافر الطائفي، وغليان التهديدات العرقية والمذهبية، والقتل على الهوية دقت أبواب الناس، لم يعد للعيش الرغيد، أو المتواضع فرص، ولو ضئيلة، في راهن أيّام ما بعد ربيع الضباع.
تخرجت سارة ك.. من كليّة التربية قسم اللغة العربية، وحصلت على الماجستير، خامس أطفال البيت، ثلاث شقيقات، اثنتان تزوجتا وغادرتا البلاد، والطفل المرافق لها طيلة جلساتنا، تبين أنه ليس أخاها كما ادّعت، كان ابن جيران تأتي به دفعًا للشبهات. لاطفتها ذات يوم:
– كيف جعلته يتورد بهذا اللون الرمَّاني القاتل؟
أطرقت برأسها برهة، عادت تتمعنني بتحدٍ:
– بوسعك أن تطفئه إن كان لا يروق لك وهجه.
لم أفهم كلامها.
في الليل، دائمًا في الليل، عندما أسترد نفسي، تمرق أوراق نهاري أمام شاشة ذهني، أجد صدمة الأشياء التي فقدتها، أكتشف أنني إنسان لا يمتلك سرعة بديهة، كيف لم أفهم معنى ما قالت، ربما أيّ إنسان آخر كان يتصرف بالطريقة التي أرادت سارة ك.. فقدت الفرصة، لا أملك خاصية نبش الكلام المطروق على سمعي، فيما بعد، أعرف، أن الجواهر النفيسة لا يمكن لها أن تبقى مدفونة إلى الأبد، كما الشمس المكسوفة تسترد حضورها سريعًا، والقمر كذلك عندما يلفظه حوت الخسوف، رغبتها المُلغزة توضحت، لكن، يا للأسف، بعد فوات الأوان.
سارة ك.. رمت أمامي صحن فواكه وأسرار، حسنًا، لا شيء يطفئ النار سوى الماء، تورد الخدود علاجه قبلة من فم ملتهب، فم يمتلك عشبة تهدئة عواطف العاشقات.
*
سارة م.. يوم خرجنا من دار سينما صلاح الدين وعدنا إلى دائرتنا.. هاتفتني:
– أرجوك، لا تغضب، ما بدر منّي، كان لا بد منه.
– لا توجد في قاموس حياتي مفردة اسمها غضب حتى هذه اللحظة.
– لو تغضب، ربما ليس بوسعي أن… توقفت.
– لا تجعلي الأوهام تأكل أفكارك.
– لا تزعل أرجوك.
– لا يخرج البلسم إلاّ من فم جميل.
– أ.. حقًا ما تقول؟
– جميل وفيه ماء سلسبيل يروي ظمأ شاب عليل.
كركرت قبل أن تهمس:
– كاردو، لو حطموا حواجز العقيدة بقرار أممي، سآتيك هرولة.
– ههههه.. حتمًا سنلتقي منتصف الـ.. ـهر.. و.. لـ.. ـة.
***
الجلبلائية.. لم توقف شحنات قلبها الشعرية، تكرر جملها، تريد أن تذوب في قلب عاشق عرفت أنه أنا، تزاورني، كانت أمّي تنظر إليّ مستغربة، تعللت، أنها ضعيفة في قواعد اللغة العربية، تجيء لأمنحها دروس تقوية، لم تقتنع السيدة الوالدة بما كنت أقول، لم تعرف أن سارة ع.. كانت ضعيفة قلب، ظامئة، ليست لقواعد اللغة العربية، بل لقواعد العاطفة القلبية، ظامئة للعشق وترويض مشاعرها المجنونة، أو تطبيب صيحات جسدها من وجع الوله الثائر فيها ليل نهار.
تعبت أمي وخرجت من دائرة القلق والشك، فتحت ممرات آمنة لـ سارة ع.. لتتموسق في الحب، تفتح أنفاق كيانها، آبارها العطشى، أغطس، أسبح في شعرية أغوارها، منحتني الحب كلّه من غير معاناة، من غير نظرات مخادعة، أو متلصصة، من غير ملاحقات يومية، أو إشارات إغرائية، من غير رسائل مسروقة الجمل، ومشحونة بالأكاذيب، تأتي أصيلًا لتتعاطى دروسًا في بناء الحياة بقواعد صريحة أدوات رفعها ونصبها وجزمها، مداعبات وعناق وقبلات.
أرافقها، تمشي وأمشي وراءها، تتلفت، ناس جلبلاء تراجعوا عن شكوكهم، تيقنوا أن قضيتنا باتت خارج دائرة الظن: كردي أستحوذ على ريمنا المتمردة.
لن تنتهي التصادمات العشائرية، سدود كونكريتية تحرم تخالط الطوائف والأعراق عبر التزاوج، لم تبال سارة ع.. بتلك الهذرنات السلفية والغيرية البغيضة، شجاعة، تمضي وفق مزاجها، ووفق قوّة إرادتها، وشراسة حلمها.
ومضينا نكبر على شهد الحب، أستغرب لمَ يسمّونه: حمّى.
***
سارة ت.. شغلت نصف قلبي، بدأت تنتزعني من سارة زقاقي، مؤترقة الفكر أراها، ظامئة لي، لكنها، عاجزة عن تحطيم حاجزها النفسي، ربما كانت تنتظر، هذا ما كان، أن أقتحمها، تمشي رافعة من شأن نفسها، أقول: الترفع لا يزيد المرء صفة أو مكانة. تتعلل، تعشش فيها رغبة، أن تجد نفسها فوق مستوى صويحباتها، تريد أن تتباهى بي أمامهن، ترافقني، نتجول في مكتبات السعدون، معي ولصقي تتصفح الكتب، أهمس:
– إنك غير مغرمة بالمطالعات الخارجية.
– أقرأ بعينيك العناوين لأخفف عنك عناء البحث اختصارًا لساعات الضياع.
في كشك، أو في مطعم نجلس، غالبًا ما كنّا نذهب إلى مطعم “الساعة” في حي المنصور، نجلس ونلتهم غداءنا، وإلى حديقة الزوراء تقودنا أقدامنا، ففي الظهريات كنّا نجد أماكن ظليلة وخالية من العيون، نتحاور، نبني جسور تواصل عبر نظراتنا، عبر همساتنا، عبر حرائق أغوارنا، أبغي أن تبدي ما في قلبها بوضوح، أجدها حائرة، أكلمها، أجوبتها، تتقاطع مع ما تبغي أسئلتي، تائهة، حائرة، أجدها تتجول في محراب الخوف والرغبة بيننا ففتي ففتي:
• أين وصلتِ؟ تهز رأسها، تبتسم:
– في حضرتك أنسى نفسي.
– لا قيمة لحياتي من دونك يا سارة.
تزداد حيرة، أراها، سائحة غريبة تبحث عن كلام، تخفق، لا تجد كلمات صد أو رد، كلهن، بلا استثناء، بلابل، كلهن، ورود تنتظر أيد عابثة لتقطفهن وتحبسهن في أصص الرغبات.