الحداثية بطبعة استشراقية
![](/sites/default/files/styles/article_image_800x450_scale/public/2025-02/Untitled-1.jpg?itok=6g7A9tA5)
طرح أدونيس القائل إن الثورة الحقيقية هي التي تغير المجتمع ولا تكتفي بتغيير النظام، يذكرني بعقم شعارية تحولت إلى شعائرية. عقم الشعائرية التي يروج لها أدونيس يستدعي صورة ساعة حائط يذكر الفيلسوف كيركغارد في معرض سخريته من القرن التاسع عشر أن بندولها ظل يقرع عاليا ولكن عقربيها كانا عاجزين عن تحديد الوقت. وهي صورة تبدو اليوم أشد انطباقا على مفهوم الثورة في الأدب العربي المعاصر منها على الفكر الأوروبي في القرن قبل الماضي.
لماذا القرن التاسع عشر؟
لأن تسييس التنوع السوري بدأ حوالي القرن التاسع عشر مع ظهور مسألة الأقليات من منظور الاستعمار الغربي للعالم.
هذا التسييس للتنوع السوري الذي استندت إليه أطروحة أدونيس لا معنى له، أو ربما كان تكريساً للأطروحة الاستشراقية.
وهذا التكريس، وفق المنظور السوري يمكن ضرب مثال، أو أمثلة على عدم انطباقه على المنظور السوري في مرحلة الاستقلال: الكردي محمد علي العابد رئيس جمهورية (1932 – 1936)، والمسيحي فارس الخوري رئيس الوزراء السوري (1954 – 1955)، والعلوي محمد عمران نائب الرئيس (1963 – 1964)، والدرزي سلطان باشا الأطرش قائد الثورة السورية الكبرى على الفرنسيين (1925).
ما أود قوله هنا أن طرح أدونيس القائل إن الثورة الحقيقية هي التي تغير المجتمع ولا تكتفي بتغيير النظام صحيح، بل صحيح وبدهي، ولكن النظام الأسدي، علوي المنزع، كان يتدخل في حياة مواطنيه تدخلا استخباراتيا أمنياً مرعباً.
وهذا يتجاوز نصف القرن من حكم العسكرتاريا الطائفية باسم بعث شعائري.
كيف يمكن تغيير المجتمع من دون تجاوز الشعار القائل بضرورة تغيير النظام السياسي؟ هذا الطرح التعجيزي يتجاهل ما فعله النظام العلوي الطائفي بأدواته التي أذكر منها جبران كورية رئيس القسم العربي في ألمانيا الديمقراطية الستالينية، الذي كلف بالاتصال بمعارضي النظام والتهديد بقتلهم، وإسكندر لوقا الذي ابتكر مصطلح Shorthand خصيصا لدكتاتورية الأسد، وورث ابنه حسام لوقا موقفاً يحول دون تغيير النظام ويدعم تطييف المجتمع، بل علونته، ومن ثم الحيلولة دون تغييره؟
هذا يعني بأبسط معانيه، أن الأطروحة الأدونيسية حول تغيير المجتمع قبل تغيير النظام هي محاولة يائسة للتهرب من الإسهام في تغيير بنية النظام. بل إن اللعب بورقة الأقليات واستغلالها هو تجاوز للمكونات السورية الشاملة التي سعت العسكرتاريا الطائفية والاستخباراتية إلى تغييبها، بدءاً من التشويه الممنهج للمرحلة الديمقراطية باسم الأمر الواقع طائفي المنزع، وبالتالي تجاوز ما فعلته الدكتاتورية الاستخباراتية من تدمير للمجتمع السوري وإحلال للجحيم الطائفي محل الاستقلال الديمقراطي، تحت مظلة البعث المثير للرثاء.
وأذكر هنا أن حماية الدكتاتورية الأسدية، علوية المنزع، بتسليم سوريا للنفوذين الإيراني والروسي، تزامن مع تحول جذري في الأنثروبولوجيا التي فجرها إدوارد سعيد في كتابه “الاستشراق” في الثمانينات من القرن الماضي. بيّن سعيد مشكلة الفصل بين المراقِب والمراقَب، أي الإمعان في الفصل بين “نحن” و”هم”.
هذا المنظور الغربي يتوافق، إلى حد كبير، مع الدكتاتورية الأسدية بتخلصها من الأغلبية باسم حماية الأقليات، ويتناقض مع حقيقة سوريا الديمقراطية المتجاوزة للمفهوم الغربي.
ومادام الحديث يدور حول الأدونيسية وتناقضاتها، لا بأس من الإشارة إلى كتاب مهم وأعني به كتاب جيمس فريزر “الغصن الذهبي” الصادر في عدة أجزاء (1854 – 1941) هذا الكتاب لم يؤثر بالشاعر ت.إس. إليوت وحده، بل كان له معجبون آخرون بدءاً من لودفيغ فيتغنشتاين وسيغموند فرويد.
كتاب “الغصن الذهبي” ومدونة سوزان برنار من الأعمال التي أثرت بشكل أو بآخر على الحداثية العربية بطبعتها الأدونيسية.
أخيرا، أعود إلى أدونيس الشاعر والناقد بالغ الأهمية بلا شك، لأقول إن افتراضه المسبق بأن انتصار التيارات السورية المسلحة، هو انتصار سلفي، رغم تأكيد المسؤول عن هذه التيارات بأن السلفية أصبحت ملكاً للماضي، تدعو للتغيير وتعارض التكفير، افتراض لا معنى له.
هذا التأكيد الأدونيسي أن التغيير المُضَحّي بالاستقلال السوري بتبني السلفية الإيرانية بقضها وقضيضها، يجعلني لا أتردد بالقول إنه بصرف النظر عمن سيحكم سوريا فإنه لا بد أن يكون هذا الآتي أفضل من نظام سلفي مجرم.