الشاعر الصنم
ليس شاعراً من يتهرّب من قضايا شعبه، و لو كتب تاريخاً جديداً للشعر، لأن الشعر أولاً و أخيراً مسؤولية أخلاقية وجمالية في آنٍ معاً، الشعر ليس مجرد كلمات فحسب، الشعر موقف من الوجود والعالم، فما قيمة شاعر بلا موقف وما قيمة شعره، لا سيما تجاه ما يحدث لأهله وناسه ووطنه، كما أن كل شاعر منفصل عن الناس من حق الناس أن تنبذه وتتجاوزه، فالشعر هو من أجل الحياة، ومن أجل الحب والحرية.
إذا كان للشعر من هدف ووظيفة فهي لا بد أن تكون جمالية في العمق، ولكن كما قال أفلاطون الجمال بهاء الخير، فالجمال لا ينفصل عن خير العالم ولا ينفصل عن فكرة العدل والحرية.
لمن تكتب أيها الشاعر؟ تكتب لنفسك تكتب لتعيش غيبوبتك الخاصة هكذا منعزلاً عن كل شيء، إذن نحن لسنا بحاجةٍ إليك وما تفعله ليس أكثر من هذيانات خاصة ليس لها أيّ هدف نحو خلق وإعادة صياغة العالم، ولا يحق لك أن تتحدث عن الحرية، إذا كنت تعتبر الحرية هي فقط حريتك الشخصية.
الشاعر هو ضمير العالم وضمير الكون، والشاعر الحقيقي لا يمكن له إلا أن يكون سفير الكلمة الطيبة، وصوت الإنسان، ومتحدثاً رسيماً باسمه وأحزانه وأفراحه، إذ لا شعر يُكتب خارج الإنسان، ولا كتابة إلا من أجل السلام والحرية.
مهمة الشاعر في كل لحظة وفي كل الأزمنة هي الدفاع عن القيم النبيلة، مهمته أن يزرع شجر الحرية في كل مكان، مهمته أن يبقى مستيقظاً مثل الضوء في وجه جنود الظلام وسماسرة الشعوب وتجّار الأوطان، مهمته أن لا ينام على الأسرّة الفاخرة، حين ينام وطنه على الرصيف وأن لا يصمت، أن يظل صوتاً ردّاحاً مدافعاً عن طفولة العالم وعن أحلام العصافير.
ثمة شعراء يتاجرون بالكلمات، وثمة شعراء الكتابة بالنسبة إليهم مهنة وحرفة، وثمة شعراء كلماتهم لا تقل خطراً عن رصاص الطغاة، وسجونهم، ولكن الزمن كفيل بفضحهم وإسقاط الأقنعة عن وجوههم ووجوه قصائدهم.
شاعرٌ ليس حراً لا يكتب قصائد إنما يصنع سجوناً، شاعرٌ مهووس بمجده الشخصي، يعيش ويفكر ويكتب مثل أيقونةٍ أو تمثالٍ، لا بد أن يأتي يوم و يتحطم.