مطر يغسل القصيدة
تفاصيل تشتعل
هذا المعنى يُسرع نحوكِ
مثل ريح صغيرة تَخَلَّفَتْ عن عاصفه؛
مثل عشب يَتَلَوَّى صاعداً قامتكِ؛
مثل حزمة ضوء تلملم ظلال الأشياء.
هذا المعنى من خشية المعنى
يتصدَّعُ، يشتعلُ،
ويُعْتِمُ من خشية اللقاء.
هذا المعنى أخيرٌ ..
وداعيٌّ
مثل وصية بمرأىً من خسوف أبدي.
في مقهى «سيرَّالونا»
I
في مقهى «سيرَّالونا»
تفتح السيدة كتابها ..
يأتيها النادل بالمشروب، ونصف قطعة سكر،
ترشف من كأس قهوتها؛
تنفث برفق سحابة من سيجارتها.
يشرع أبطال الرواية في الخروج،
يملؤون الكراسي،
يتحدثون، يقهقهون،
يدخنون، يسعلون.
تطوي السيدة كتابها ..
تجر خلفها سحابتها،
ترحل عن المقهى
ولا يرحلون.
II
في مقهى «سيرالونا»، مرة أخرى،
تجلس السيدة المتعبة من رقَّةِ
ندى القرنفل الذي
يُخَصِّبُ لونَ الصهيل في عينيها.
يدخل متسكعون
هم أبطال الرواية التي قرأت منذ أشهر
... يبحثون عن كتابهم في حقيبتها،
لا يعثرون على شيء ..
فيغادرون مُخلِّفين في المكان
سحابة تبغهم وسعالاً أقوى،
وهمهمات
غير القهقهات التي كانت أول مرة.
III
يُرتِّب النّادلُ ظلالَ الكراسي الفارغة
ينفض ما تناثر على الأرضية من ثرثرات أمس،
وما علق بالجدران من عطرها.
ومتثاقلاً، يلملم سطراً سقط سهواً من خبرٍ
في جريدةٍ
عن متسكعين هجروا روايتهم
واستيقظوا في حلم سيدةٍ
تسكن في روايةٍ
عن بطلةٍ
نسيت نفسها في كتابٍ
فتحته ذات صباحٍ
في مقهى سيرالونا.
مناورات
في المناورات السرية المشتركة
بين الحب والترويض،
النيران كلها صديقة باتفاق،
والعدوُّ لا أحد غير الكلمات المحاصرة في الأعماق،
وبين هُدنتين مَوْؤُودتين
يرتجُّ خندقُ المُفَكَّر فيه
المحفور في أعالي اللاَّمَقول
اللاَّمُستطاع،
وَلاَ مَنْ ينتصرْ..
خيانات
جميلة وجارحة
الخيانات التي أكتشف متأخراً
مثل أوقات لا تكون إلا في رواية بارعة
مثل أمكنة غير موجودة سوى في الأساطير
مثل أسماك تتناسل في غفوة من النهر.
***
أجمل منها..
الخياناتُ التي لم أكتشف بعد.
***
يا دين إلهي .
كم سيكون صارخاً وذكياً
جمال تلك التي
لن أكتشف أبداً
خطيئة
الخطيئة التي
تسري في روح العاشق،
وتتلوى مثل أفعى،
تستدير مثل تفاحة
وتنام بعين مفتوحة،
تراقب سرب ملائكة
يحلق قريبا من فاكهة الرغبة
التي اسَّاقطت
عند جذع شجرة الأزلْ.
اشتعال
نار مخبوءةٌ تحت رماد الجَزْرِ
أيقظها مدٌّ،
يحمل إلى الساحلِ
رسالةَ محوٍ كتبها ماءٌ إلى رملْ،
***
فكلُّ رمادٍ بي يقظٌ،
وكلُّ نارٍ بك مغتسلة،
وكلُّ جَزْرٍ وأنا مُنْطَفِئٌ،
وكلُّ مَدٍّ وأنت مشتعلة.
ألم الطين
في نهاية طقس التدخين،
تماماً كما
في بداية حصة تعذيب؛
كلما تهشَّم جمرُ السيجارة
فوق مرمدة الطين
تعالت صرخات آدم
وفاحت في الأرجاء
رائحةُ شواءٍ بشري.
ذاكرة قسرية
منذ ساعة يحملق السجين السابق
في الغسَّالة،
***
تُرى ما الذي تعانيه الأثواب؟
تسلية هي،
أمْ حصة تعذيب؟
شظايا
المطر الذي يغسل القصيدة
يوقظ التّراب من رقاده الهشّ
وينزع عن الأركان
ما تسلّقها من العلّيق.
القصيدة مدينة للمطر
بأكثر من عاصفة
وأقل من نهر معلّقٍ
بين جبل و فجٍّ عميق،
سيسقط المطر طويلا
وتتشظّى القصيدة
صداع
صداع واحدٌ وحيدٌ في الرأس ..
وفي الروح صدوعٌ شتى.
أرى أثراً يعرفني،
أشتمُّ رائحةً أعرفها،
***
فراشة الروح تقدم للنار جناحيها.