استرداد عقول الشباب
ماذا يمكن للكاتب المثقف العربي أن يكتب في زمن العبث هذا حيث بات سيناريو الواقع يفوق في غرائبيته سيناريو الخيال الأدبي؟!
الثقافة العربية الآن في حيرة وارتباك بفنونها وآدابها وأفكارها أمّا السياسة العربية فهي في فوضى عارمة!
تلك حقيقة الوضع العربي الراهن سياسيًا وثقافيًا – للأسف – دون مجاملة أو تزيف!
يعاني الفعل الثقافي الآن من الوهن بسبب التهميش الذي تعرض ويتعرض له من قبل السلطة السّياسية في أغلب البلدان العربية إن لم يكن كلّها. وبدل أن يكون الثقافي هو كشّاف الطريق ومستشرف محطاتها متقدّمًا أمام السّياسي وفاتحًا له سبل السير في طرق معبدة فكريًا ومعرفيًا سيطر السّياسي بسلطانه على الثقافي فحوّله مع الزمن إلى مجرد بوق دعاية إلى هذا النظام أو ذاك، أو إلى مجرّد تابع له بلا حول ولا قوّة ولا موقف ولا إرادة.
هنا تحديدًا اختلّت موازين القوى فسقط ميزان الثقافي إلى الحضيض واستفرد ميزان السياسة بالكيل لصالحه.
ومن هنا تحديدًا تسلّلت الكارثة إلى هذا الوطن العربي الذي ازداد تشتتًا وفرقانًا بعد عودة السلطة الدّينية إلى الحياة وفي أقصى تمظهراتها تطرفًا.
لم يكن ذلك صدفة أو هو قدر محتوم بل هو أمر دُبّر بليل حالك وهدفه الوحيد هو نهب خيرات العرب وثرواتهم بأسلوب استعماري ناعم بعيد عن الاستعمار الكلاسيكي من خلال الجيوش والآلات الحربية ولعل تجربة احتلال العراق جعلت القوى العالمية تراجع أسلوبها الاستعماري المباشر وتستبدله بآخر مناسب لتطورات العصر من خلال الثورة الرقمية الكبرى التي جعلت إمكانيات التواصل وتبليغ المعلومة والفكرة لتقويض بلد ما أسهل بكثير من الهجوم بأساطيل من الدبابات أو أسراب من الطائرات المقاتلات.
عملية غسل الأدمغة وتسريب فتيل الفتنة الدّينية بين العرب المسلمين تمّت عن طريق الإنترنت والقنوات التلفزيونية المأجورة التي تكفلت خلال السنوات الأخيرة بمهمة تشويه الدين وتحفيز الجهلة به للدفاع عنه في مواجهة الشق المقابل الرافض لهذا الجهل، كذلك زرعت بذور الإرهاب هنا وهناك في البلاد العربية المسلمة ليولد غول الدولة الاسلامية الداعشية بعد أن انتهى دور القاعدة التي تكفلت بالجزء الأول من مسلسل الإرهاب الذي انتهى تلك النهاية المأسوية والمتمثلة في تفجيرات 11 سبتمبر 2001.
غير أن المؤسف أن القوى العالمية، التي صنعت القاعدة التي تغوّلت إثر ذلك وأكلت صانعها، لم تتعظ من الدرس وها هي تعيد الكرة انطلاقًا من كذبة الربيع العربي وصولًا إلى داعش وكل ذلك من أجل مصالحها المادية فحسب وهنا لا وجود البتة لشعارات الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية فتلك أشياء تليق بهم ولا تليق بنا.
في مقابل ذلك تصمت النخبة العربية المفكرة والمثقفة بما في ذلك الأديب، وتغرق في فنجان حيرتها فلا تخطط لاقتلاع موقع الريادة وقيادة السّياسي إلى الطريق التي تخرج هذه الشعوب العربية المسلمة والمستسلمة من مستنقعات الجهل والتطرف الدّيني الغبي، ولا تسعى من موقعها المعرفي والثقافي إلى استنباط أساليب مقاومة ناعمة هي الأخرى، ومن خلال الوسائل التكنولوجية ذاتها لاسترداد عقول الشباب. ولعل أولى الخطوات تتمثل في الإخلاص في العمل – مهما كان هذا العمل – وأول المخلصين لا بد أن يكون المعلّم الذي يشكّل عقلية الطفل وهو تلميذ صغير ومعه الأم التي وجبت عليها التضحية لتثقيف نفسها بشتى الوسائل لأن البداية تكون منها.
مهما كانت الإمكانيات قليلة، والإرادة السّياسية منعدمة، فإنّه بإمكان النخبة العربية المثقفة أن تواجه الإرهاب بمحاربة العقليات بالعلم والثقافة والمعرفة والفن وتوعية المرأة.
وأول الخطوات بالتأكيد هو الاتحاد بين مختلف النخب المثقفة في كلّ البلاد العربية لأن في الاتحاد قوة ثم تأتي بعد ذلك البرامج التي يجب أن تعتمد على تمويلها الذاتي من خلال توظيف المهارات الفنية واليدوية بعيدًا عن التمويلات الحكومية التي ستعود بالموضوع إلى النقطة الصفر حيث تكون كل حلقة مرتبطة بالأخرى بلا فكاك، ليواصل الإرهاب مهمته في تدمير الإنسانيّة وقيمها ولتواصل القوى العالمية العيش في منظومة الغاب رغم مظاهر الحداثة الزائفة حيث البقاء للأقوى.
أما الكاتب فليس أمامه الآن إلاّ أن يساهم من موقعه في توعية هذا الشباب المراهق وزرع الأمل في مخياله حتى يستعيد إمكانية الحلم والطموح الكفيلة وحدها بالتحريض على إنجاز فعل الحياة التي نستحق أن نعيشها حتى الثمالة.