الروائية الاحتجاجية
يتصور كثير من القراء أن بإمكان الرّوائيّ الشروع في كتابة رواية تواكب الأحداث الجارية لحظة بلحظة، وكذلك هم يتوقعون أن يُصدر هذا الرّوائيّ أحكامًا أخلاقية تشير بأصابع الاتهام إلى المتورطين في الدّم.
كتابة الرّواية ليست عملًا بهذه البساطة، ولا هي بيان سياسي يمكن صياغته في جلسة واحدة وانتهى الأمر. إنها أبعد وأعمق من ذلك.
نعم على الصحافي عندما يكتب خبرًا أو تحقيقًا أن يستمع إلى ضميره الأخلاقي، وكذلك هو الحال بالنسبة إلى الروائي، لكن هذا الأخير ملزم أيضًا بالاستماع إلى ضميره الفني.. هو بالتأكيد سينحاز للضعيف والمظلوم والمضطهد، ولكن هذا الانحياز وحده ليس كافيًا لكتابة رواية جيدة.
الفترة التاريخية الأفضل للكتابة عنها هي ما قبل ثورات الربيع العربي.
لقد انخرط الشباب العربي في حراك ثوري ضخم شمل عددًا من الدول العربية، وتمكنوا من الإطاحة بالعديد من الأنظمة الدكتاتورية، وهذا الجيل الفتيّ الشجاع الذي صنع معجزة الثورة على الاستبداد، بحاجة ماسة لقراءة أعمال أدبية تُبرهن له أن الخطوة المصيرية التي أقدم عليها صحيحة ولها ضرورة أخلاقية.
ليس الآن وقت كتابة رواية “كيف قامت الثورة” ولكنه التوقيت المناسب لكتابة رواية “لماذا قامت الثورة”.
ربما بعد جيل أو جيلين ينسى الرجال والنساء فظائع الأنظمة الاستبدادية وأخطائها الفادحة التي أفشلت مشروع النهضة في المنطقة العربية. وعلى الرّوائيّ أن يقف جنبًا إلى جنب مع المؤرخ لقول الحقائق وتذكير الأجيال الجديدة بها.
يتفوق الرّوائيّ على المؤرخ من ناحية التأثير على المجتمع.. لأن المؤرخ يركز على الوقائع، أما الرّوائيّ فيركز على مشاعر الناس وأقوالهم.
كان يمكن للحكومات الوطنية التي أتت بعد الاستقلال المضي قدمًا في مشروع النهضة والتنمية والحداثة، لنكون في مصاف الدول الآسيوية على الأقل، مثل اليابان وكوريا الجنوبية والصين والهند وغيرها من الدول الصاعدة بخطىً راسخة.
لكن ما حدث هو دون التوقعات بكثير، وأدنى من أن يقال عنه إنه مشروع نهضة.
هذه الحقبة التاريخية التي انتهت في يناير 2011 تحتاج إلى تحليل وتشريح، وإلى التزام النقد وتعرية الأخطاء. والرواية “الاحتجاجية” هي الرد الرّوائيّ الشافي على تساؤلات عشرات الملايين من الشابات والشبان العرب “لماذا قمنا بالثورة ولم نلزم الصمت”.