الارتياب الجماعي
كانت الشخصية اليهودية من الشخصيات التي أُطِّرت أدبيا في مجموعة من التصورات والمفاهيم التي رسمتها المحكيات العربية وروجت لها الكلاسيكيات العالمية، فكان المنحى التنميطي لصورة تلك الشخصية – مع غياب الوعي الحقيقي بماهية الآخر – من مسببات رسوخ بعض الصفات عنها في مخيال الوعي الجمعي، والتي قد تكون بعيدة عن الحيادية أو الموضوعية في كثير من الأحيان. وقد أرجعت بعض الأطروحات النقدية بملف العدد السابق الذي حمل عنوان “صورة اليهودي في الرواية العربية” – في مقدمتها دراستي زياد الأحمد وممدوح فراج النابي – تنميط صورة الشخصية اليهودية في بعض الصفات التقليدية السلبية (كالغدر والخيانة والبخل والكذب والبغاء والجشع والانتهازية والطمع)، التي انعكست في الرواية بشكل خاص، إلى بعض العوامل السياسية والتراثية الدينية، وكذلك إلى التحولات الأيديولوجية التي سببتها نكبة 1948، وما تلاها من خلط بين الشخصية اليهودية المندمجة في مجتمعها والشخصية الصهيونية المغتصبة للأرض.
لقد أسهمت بعض الخطابات المعرفية في حصر بعض الهويات – العرقية أو الدينية أو الجندرية – في صور تقليدية محددة يتم استدعاؤها وقت الحاجة، وأدت دورا في حصر أبناء تلك الهويات في سمة معينة يتم تضخيمها لتكون بمثابة هوية عامة يندرج تحتها الجميع، فنشأ التنميط الثقافي للآخر ليمنح صورا لا تتسم بالموضوعية سواء عن الآخر أو عن الذات نفسها.
وقد أصبح تنميط كل طرف للطرف المغاير عنه في قوالب معرفية جاهزة من الآليات التي لجأت إليها السلطة لخلق نظام من التعارضات الثنائية تضمن لها الهيمنة، رغم خروج بعض الأدبيات عن تلك التعميمات والاختزالات والتنميطات ومحاولاتها رفض الفروق الإقصائية ضد الآخر القائمة على اللون أو الدين أو النوع أو الأصل وغيرها من أشكال التمييز العنصري.
شخصية اليهودي بين نمطية الماضي وتحولات الحاضر
انحصرت مسببات استدعاء الشخصية اليهودية والاهتمام بتمثلها روائيا في السرديات العربية في عدة عوامل ارتبط بعضها بـ”الطبيعة الإشكالية للشخصية اليهودية” (الملف ص 52)، التي فرض عليها تكوينها السيكولوجي وبعض من معتقدها الديني – مثل عقائد الشعب المختار والوعد الإلهي والمسيح المخلص – إحساسا بالتمايز أو بالتفرد، ومن ثم أدى إلى نوع من الانعزالية عن الآخرين، وهو ما رصدته سابقا دراستا قدري حفني ورشاد الشامي عن الخواص السلوكية والسمات النفسية للشخصية اليهودية.
بينما ارتبط بعضها الآخر بالمتغيرات السياسية والأيديولوجية التي أحدثتها الحروب المتتالية بدءا بحرب 1948 وإقامة دولة إسرائيلية على أنقاض الوطن الفلسطيني المغتصب، مرورا بحرب 1973 والجلوس مع العدو على طاولة المفاوضات، وانتهاء بحربي لبنان الأولى والثانية وزعزعة المفاهيم والقيم لدى الجانبين: العربي والإسرائيلي.
وقد مر استدعاء الشخصية بتحولات واضحة نقلتها من الرؤية النمطية التقليدية إلى أخرى حيادية أو موضوعية، فتجسد اليهودي في صورة “الآخر” الذي يمكن التعايش معه وقبول اختلافه بعيدا عن دوائر الصراع، وظهرت “أعمال تخصّ اليهود بموضوعاتها وعنوانها أحيانا – مثل يهود الإسكندرية لمصطفى نصر أو آخر يهود الإسكندرية لمعتز فتيحة -، راصدة تفاصيل حياتهم وعلاقاتهم فيما بينهم ومع الآخرين” (الملف ص 48)، وتبحث في التاريخ عن “التعايش بين اليهود والعرب” ( الملف ص 54).
كما صوّرت السرديات العربية – من مطلع القرن العشرين – حالة الإقصاء التي تعرض لها بعض يهود البلدان العربية عقب ثورة 1952 وعلوّ القوميات العربية ونزعتها الاستبعادية، فكان التعاطف مع الشخصية اليهودية وإدانة الأنظمة العربية التي أسهمت بقوانين إسقاط عن اليهود – كما نوّهت دراسة عادل الأسطة – بإمداد إسرائيل بالطاقة البشرية من أبرز ملامح تمثلات اليهودي في الرواية العربية آنذاك.
ومن البديهي أن تكون الرواية الفلسطينية أكثر المرويات العربية استحضارا لليهودي، فكان هو الجندي المغتصب للأرض أو العدو الصهيوني (كما أبرزه غسان كنفاني)، ثم طرأت على صورته تحولات تختبر صيغ التعايش المحتمل بين الطرفين: الفلسطيني والإسرائيلي، فقدم الروائيون الفلسطينيون (أمثال سحر خليفة وربعي المدهون) في نصوصهم سمات تدعم المشترك الإنساني وتلفظ المختلف الإقصائي بينهما خلافا للسرديات الفلسطينية التقليدية السابقة.
وقد وصل الأمر إلى “إظهار بعض المرويات العربية لليهودي في صورة جديدة تمثله بوصفه مقهورا وليس قاهرا” (الملف ص 66) والترويج لما يعرف بـ”النكبة المشتركة”، مما يذكرنا بموقف الشاعر الفلسطيني محمود درويش الذي يطالعنا به في قصيدة “مديح الظل العالي” بقوله (ضحية قتلت ضحيتها)، أو في قصيدة “حالة حصار” التى أكدت صورة الآخر الأساسية بكونه “قاتلا” ولكنه ضحية لإكراهات أخرى: (إلى قاتل: لو تأمَّلتَ وجه الضحيّةْ/ وفكرتَ، كُنتَ تذكرتَ أُمّك في غرفَةِ/ الغازِ، كُنتَ تحررتَ من حكمة البندقيةْ/وغيّرتَ رأيْكَ: ما هكذا تُستَعَادُ الهُويّة!).
ولعل تصحيح المرويات العربية عموما للصورة النمطية الراسخة في الأذهان بشأن الشخصية اليهودية يحمل في طياته اكتشافا للذات العربية نفسها التي لن تتشكل – بطبيعة الحال – بمعزل عن الذوات الأخرى بكافة أنواعها، فالهوية تتضح سماتها – وفق الفيلسوف الألماني مارتن هايدجر – عندما تفصح عن كينونة كل ما هو موجود وتخبر عن علاقتها به.
ولذلك كان اكتشاف الذات العربية لذاتها وللآخر هو أحد ينابيع المقاومة ضد المرويات الصهيونية التي تروج لكراهية العربي لليهودي وتنتقي من الأدبيات العربية ما يدعم دعايتها، وهو ما أوجزته دراسة زياد الأحمد (الملف ص 49، 50) من خلال طرح إيجابيات هذا التحول في نقطتين رئيستين:
- الأولى: إن التحول في الطرح العربي لليهود يدعم حالة التسامح التي حظى بها اليهود بوصفهم مكونا من مكونات مجتمعاتهم العربية وجزءا من سياقها المعرفي، وبالتالي ينفي سمات العنف والعداء التي ترسخها الروايات الصهيونية عن العربي المضطهد لليهودي والمنتظر لإبادته.
- الثانية: إن هذا التحول قد جعل الشخصية اليهودية نفسها – وبالأخص اليهودي العربي – يفضح السياسات العنصرية الممارسة ضد اليهود العرب عقب هجرتهم لإسرائيل في خمسينات القرن العشرين، وأسهم في توثيق الممارسات الصهيونية وخطابها الاستعلائي ضد الفلسطينيين واليهود العرب على السواء، كما أكد من قبل العديد من نقاد ما بعد الصهيونية وعلى رأسهم الإسرائيلية/العراقية إيلا شوحط.
الشخصية اليهودية وتقاطعات الدين واللون والانتماء
في التفاتة نقدية مهمة تطرح قراءات الملف – وأبرزها دراسة أسماء معكيل عن اليهودي الأسود ودراستي عادل الأسطة وعبدالله إبراهيم عن اليهودي العربي – الهوية التقاطعية لدى بعض اليهود وما ينتج عنها من ممارسات عنصرية يتعرضون لها بسبب تصنيفهم المختلف داخل المجتمع الواحد، فالشخصية قد تتعرض للتمييز بسبب هويتها التقاطعية كشخصية يهودية وكشخصية عربية أو سوداء البشرة، ومن ثم يصعب وضع سمات نمطية موحدة يمكن تعميمها لتشمل الانتماءات الهوياتية المختلفة لتلك الشخصية.
فالاختلافات واردة بين أصحاب الهوية الواحدة، وهذه الاختلافات تتشابه مع طرح فرانز فانون (بشرة سوداء، أقنعة بيضاء) عن الجوانب المتعددة للإنسان، فالرجل الأسود – مثلا – له تصنيفان، عام وخاص، فهو إنسان رجل بشكل عام ورجل أسود بشكل خاص، وعليه أن يناضل من أجل إنهاء النظرة العنصرية المبنية على التفوقية البيضاء دون أن يعيد إنتاج وجوده أحادي الجانب كرجل أسود فحسب.
وفي هذا السياق، التفتت بعض المرويات العربية إلى ما يتعرض له اليهودي الأسود من تمييز “على قاعدة اللون والانتماء الديني” (الملف ص 78)، ومثّلت واقعه قبل الهجرة إلى إسرائيل وبعدها، وسردت صعوبة وضعه في مجتمعه الجديد الذي يتعمد تهميشه ويعامله كمواطن من الدرجة الثالثة، فكانت الإشكاليات الخاصة بهوية ذوي البشرة السوداء داخل مجتمع يعتمد أسباب الحضارة الأوروبية ويروج لأفضليتها، هي أبرز ما انشغلت به تلك المرويات. وهنا أدت الروايات العربية التي رصدت مشاعر تلك الشخصية اليهودية – بعيدا عن نمطية الصورة – دورا لا يقل عن دور المؤرخين الجدد من اليهود، أمثال إيلان بابيه وبني موريس وأوري رام وغيرهم، في كشف زيف الدعاية الصهيونية حول تحقيق الانسجام العرقي والثقافي داخل الدولة التي مارس مؤسسوها كافة أشكال التمييز العنصري ضد مواطنيها في سبيل تعزيز الهوية الإسرائيلية الجديدة على حساب الهويات الأصلية لليهود.
وبذلك تلاقى خطاب تلك الروايات العربية مع خطاب العديد من الأدباء الإسرائيليين ذوي الأصول الأفريقية – وبالأخص مهاجري أثيوبيا أمثال أومري تيجاملاك وأسافو بيرو ودوريت أورجيد – في تجسيد ما تعرض له “اليهودي الأسود” من قهر وتهميش في مجتمعه الجديد الذي وعده بالاستقرار، فهاجر إليه بدافع تحسين أوضاعه المعيشية لكنه وجد نفسه منبوذا ومرفوضا من اليهود “الآخرين” الذين لا يشبهونه.
أما يهود البلدان العربية فتمثلوا سرديا – سواء في الروايات التي كتبها يهود عرب بالعربية كسمير نقاش أو بالفرنسية كنعيم قطان، أو تلك التي كتبها يهود عرب بالعربية والعبرية معا كشمعون بلاص وسامي ميخائيل – بوصفهم مواطنين عرب هُجروا قسرا من أوطانهم الأصلية بخمسينات القرن العشرين بعد تعرضهم لأعمال عنف – كالفرهود في بغداد ومذبحة عدن باليمن وحريق القاهرة – في إطار الخلط بين “يهودي” و”صهيوني” عقب الجرائم الصهيونية ضد العرب في فلسطين، والدعم الصهيوني لتلك الأحداث بهدف زيادة عدد المستوطنيين اليهود بفلسطين وما سلكته الحكومات العربية من سلوكيات تجاه اليهود رغبة في التخلص من النشاط اليساري الذي شكّل اليهود العرب ركنا مفصليا في أنشطته منذ الأربعينات.
من هنا كانت الروايات في أغلبها تعرض “شغفا منقطع النظير بالبيئات الأولى” – وفق تعبير عبدالله إبراهيم في مقالته – وتصف ما تمارسه الدولة الجديدة من استعمار جديد – (Neo Colonialism) ضد مواطنيها القادمين من الدول العربية عن طريق استبعاد قيمهم الثقافية العربية غير المقبولة لدى “الصفوة” الإشكنازية/الأوروبية المهيمنة بزعم العمل على التوحيد الثقافي ليهود الدولة جميعا، وهو ما كان له أثره في بروز مرويات ينهض بها الأدباء من اليهود العرب تتحدى المروية الصهيونية وتؤكد قدرة أصحاب الهويات المغايرة على تمثيل أنفسهم ونقل أصواتهم المقاومة لإقصاء هوياتهم الثقافية ومحاولات تخريبها.
وانبنت تلك المرويات في أغلبها على عالمين “يتعذر فض الاشتباك بينهما” (الملف ص 82): الوطن الأصلي الذي خلّفه اليهودي وراءه، والوطن البديل الذي لا ينعم فيه بالاندماج الكامل. ولذلك مثلت الشخصية اليهودية العربية – كما تجسدت روائيا – منظورا مزدوجا لا يمكنه رؤية الأشياء بمعزل عن بعضها، حيث “يستحضر كل مشهد أو وضع في الوطن الجديد بالضرورة نظيره في الوطن القديم” (إدوارد سعيد، صور المثقف)، لتظل المقارنة بين الماضي بمرجعياته الاجتماعية العربية والحاضر بواقعه الاغترابي الجديد هي السياق الحاكم للشخصية التي تبحث عن سبل الانتماء في واقعها الجديد “مع الرغبة في الإبقاء على الهوية الأصلية بعد حالة الانتزاع من الوطن الأصلي” (الملف، ص 82).
وهنا لا يمكننا أن نغفل وجود بعض الاستثناءات التي تتعارض مع تيار الكتابة الأدبية التي تمثل الوطن الأصلي للشخصية اليهودية العربية كمكان لاسترجاع الذكريات والحنين إلى الماضي، فكتابات الأخوين “بلفور حكاك وهرتسل حكاك” على سبيل المثال – وهما إسرائيليان من أصل عراقي – تعلن التماهي مع فرضيات المشروع الصهيوني حول ارتباط “الهوية القومية اليهودية” بالأرض، وتعلن أحقية الجماعات اليهودية في “العودة إلى أرض الميعاد” عبر تكثيف حالة الاضطهاد وضرورة التنازل عن التاريخ العربي القديم في سبيل الانصهار بالمجتمع الإسرائيلي وذاكرته الجديدة.
إضاءات على الشخصية العربية في الأدب العبري
ورغم أن عنوان الملف يبرز بوضوح رصد دراساته لصورة اليهودى وتمثلها بالمشهد الروائي العربي وجملة التحولات التي طرأت على صياغتها، فمن الضروري إلقاء الضوء على الجانب الآخر: فقد مرت الشخصية العربية كذلك بتحولات عدة أثناء تمثلها سرديا بالأدبيات العبرية، وكانت حرب 1948 نقطة فاصلة في تغير نظرة اليهودي/الإسرائيلي لأصحاب الأرض الأصلانيين بعد المواجهة العسكرية/الأخلاقية معهم، حيث أصبح العربي هو العدو الذي يجب إبادته لتحقيق الوجود اليهودي على أرضه.
ومن هنا جسد معظم أدباء ما قبل 48 – مثل موشيه سيملانسكي ويهودا بورلا ويتسحاق شامي – العربي وفق منظور الإكوزيتك “سحر الشرق” الذي تأخذ فيه الشخصية شكل النموذج النمطي، فهو البدوي الخيّال أو الفارس النبيل أو مالك الأراضي، مع الحرص أحيانا على إبراز ما أسموه بـ”وحشية” الشخصية وخاصة في تعاملها البدائي مع المرأة، وهي الصورة المتكررة في الروايات الاستعمارية بكافة أنواعها.
تحولت تلك الصورة النمطية بعد حرب 48 التي شكلت إحساسا جديدا لدى أدباء ما بعد إقامة الدولة – وأبرزهم سامخ يزهار وأهارون ميجيد وموشيه شامير – جعلتهم يجسدون الشخصية العربية في شكل المناضل/العدو الذي لا يتخلى عن أرضه ويسعى لتحريرها، فهو “الورطة الأخلاقية” التي وضعت اليهودي في مفترق طرق ما بين الواجب العسكري الذي يحتم قتال العربي للاقتناع بحتمية الوجود اليهودي على الأرض، والتعاطف مع احتجاجه على هدم منازله وسفك دمائه وسرقة وجوده بالكامل.
بينما كانت هزيمة العربي عسكريا في حرب 1967 والتوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الأراضي العربية مبررا لإظهار مشاعر العداء التامة تجاهه وتمثله في صورة “الكابوس الوجودي” الذي يدخل مع اليهودي في مواجهات مستمرة تهدد وجوده واستقراره، كما عكست بعض روايات إسحاق أورباز وعاموس عوز وأ. ب يهوشواع وغيرهم. وهي الصورة التي تبدلت لتكون أكثر إيجابية بعد انتصار أكتوبر 73 الذي جعل من شخصية العربي إنسانا واعيا وماهرا يمكن التفاوض معه لتحقيق التعايش الآمن، لتتغير صورته السابقة مجسدة جدلية العلاقة بين الذات والآخر بعد تساوي الكفتين في ميزان القوى.
خاتمة: ضرورة استئناف المشروع
عرضت دراسات الملف تمثلات الشخصية اليهودية في الرواية العربية والتحولات التي طرأت على ملامح تلك الشخصية نتيجة عوامل سياسية وأيديولوجية متنوعة، وغاب عنها تمثل اليهود لأنفسهم عبر الكتابات الذاتية المكتوبة بالعربية، مثل مذكرات المصري شحاتة هارون “يهودي في القاهرة” أو سيرة المغربي إدموند عمران المالح “رسائل إلى نفسي”، وذلك رغم أهميتها البارزة في طرح رؤية تكاملية تحدد طبيعة الشخصية اليهودية وتؤكد تفاعل أصحابها مع أوطانهم العربية ونفيهم للخطاب الصهيوني الذي يتحدث عن تعرض يهود البلدان العربية للاضطهاد وإحساسهم بعدم الاندماج في مجتمعاتهم الأصلية.
كان من اللافت عرض دراسة ممدوح فراج النابي – تمثلات اليهودي في الرواية العربية، من القطيعة إلى أوهام العيش المشترك، قراءة في نماذج روائية (ص 50: 69) – للمتابعات النقدية، سواء الأكاديمية أو المقالية، التي رصدت صورة اليهودي في السرود الروائية العربية وتتبعت تطوراتها، وكذلك التنويه لصورة الشخصية اليهودية في بعض الأفلام السينمائية العربية التي غيرت من نظرتها لليهودي بعد ثورة 1952، وهما محوران – أقصد الاهتمام النقدي بشخصية اليهودي والعرض السينمائي لصورته – جديران بالاستكمال عبر استجلائهما في دراسات تفصيلية سواء تاريخية أو نقدية أو كلاهما معا.
وفي النهاية، يبقى أن نشير إلى أهمية دور ترجمة النصوص الروائية التي تعرض في متونها صورة الطرفين “اليهودي” و”العربي” – سواء المكتوبة بالعربية أو العبرية أو غيرهما من لغات – في تعديل الصور النمطية المتبادلة بدلا من ترسيخها أو تثبيتها في الأذهان، بوصفها صورا تتشكل في الأساس وفق معطيات سياسية تخدم توجهات السلطة المهيمنة حتى وإن ابتعدت عن الموضوعية. ولعل تجسيد الصورة كاملة، بإيجابياتها وسلبياتها، بعيدا عن القوالب النمطية المسبقة التي تتحدد وفق أهداف الآخرين هو أكبر تحديات الفترة الراهنة.