المرأة والكتابة والمجتمع
لا تختلف الكتابة النسوية السودانية عن مثيلاتها في العالم العربي، حيث يتشابه الواقع المعيش للمرأة العربية والأفريقية من حيث الهيمنة الذكورية، ولكن نظرا لكون المجتمع السوداني أكثر تعقيدا، نسبة إلى تعدد الإثنيات والأديان والثقافات وأيضا اللهجات، ربما يكون هذا هو الاختلاف الوحيد.
وبما أن الكتابة عملية إنسانية في المقام الأول، لا تنفصل عن واقع كل كاتب وكاتبة، والمجتمع من حوله الذي يجد فيه المبدع والمبدعة قصته وشخوص رواياته، ولكن تعدد كل الأسباب التي ذكرتها داخل مجتمعنا السوداني قد يكون أكثر تعقيدا إذا ما وضعنا في الاعتبار تعدد قبائله ولغاته وإثنياته دون غيره، وإن كانت جميع تلك المجتمعات تشترك في قهر المرأة وهيمنة وقسوة المجتمع الذكروي مما يضع حملا ثقيلا على عاتق المرأة الكاتبة وهو الإبحار في عوالم الإبداع دون التقيّد بما يفرض عليها من قيود سواء كانت أسرية مجتمعية أو من قبل الدولة أو النظام الذي تنتمي إليه المبدعة عموما.
بما أن المرأة شكّلت في نظر العقلية الذكورية المهيمنة كونها مستضعفة، لذلك كان على بعض النساء اقتحام مجال الكتابة للتعبير عن ذواتهن وقضاياهن، وفي ظل كل هذا الإقصاء كان عليهن ولوج عالم الكتابة للتعبير عن ذواتهن المسلوبة لكي يثبتن أنفسهن.
وبما أن المرأة عموما تهتم بالتفاصيل الدقيقة نجدها الأقدر على طرح قضايا النساء تحت سيطرة مجتمع ذكوري بحت، وبرغم كل ذلك يظل الرقيب الذاتي والمجتمعي خطرا يهدد الإبداع لدى الكاتبة عموما، لذلك نحتاج إلى سنين كثيرة حتى ينظر المجتمع إلى الكاتبة بكل احترام وينظر إلى إبداعها بعين التقدير.
فالكاتبة دائما في حالة مطاردة سواء من المجتمع أو من النقاد وفق رؤية أن كل ما تكتبه المرأة عبارة عن ثرثرة أو هو حكي عن تجاربها الخاصة، وهناك الكثير من الكاتبات قذفن من مرتبة الواقع والحصار إلى عالم أرحب وأوسع يستطعن فيه التعبير عن ذواتهن.
لا أؤمن بتاتا بما يسمّى الكتابة النسوية، فهذا مصطلح عنصري يعمل على تهميش وإقصاء المرأة من المجال الإبداعي، وقد بدأ في الغرب، ولا يمكن تصنيف الأدب على أساس ذكوري أو نسوي لأن الأدب في المقام الأول حالة إنسانية سواء كان المبدع رجلا أو امرأة، وبما أن القضايا الإنسانية مشتركة، مع وجود بعض الخصوصيات، لذلك فإن حصر إبداع المرأة في جنسها الأنثوي فيه تمييز واضح يقصي المبدعة عن دورها الأساسي في تنوير المجتمعات جنبا إلى جنب مع الرجل.
بما أننا وُجدنا في مجتمعات شرقية تهمين عليها القوى الذكورية، وبما أن المبدع ضمير وصوت أمته، كان لا بدّ من تشكل كتابات تخصّ تلك الفئة المستضعفة في المجتمع وهي المرأة بالطبع، لكن الآن البعض أو لنقل أغلب الكاتبات يتعدين تلك الصورة النمطية للمرأة إلى مدارات أرحب، فأصبحن يكتبن في الحب والجنس والعلاقة الشائكة بين الرجل والمرأة في مجتمعاتنا المعقدة تلك، وفي رأيي الخاص، على الكاتبة أن لا تولي اهتماما للرقيب المجتمعي والذي يكون سببا أساسيا في خنق عملية إبداعها.
في اعتقادي لم يحن الوقت بعد لقراءة ما تكتبه النساء لاكتشاف ما يقدمنه من إبداع بدلا من صياغة النظريات حول ما يكتبن، لذلك على النقاد والقراء أن يتخلصوا من عقدتهم نحو كتابات المرأة، يجب عدم التشكيك بأن كل ما تكتبه المرأة هو عبارة عن إسقاطات عن حياتها الخاصة وأن ما تكتبه هو سيرة ذاتية، فهذا يقلل من قيمة العمل الإبداعي.
وفي كتابة الرواية عموما على التخييل والواقع هناك وصف للنساء الكاتبات بإسقاط حياتهن الخاصة على كتابتهن وهذا فيه إجحاف على المرأة بأنها غير قادرة على إنتاج أعمال تعتمد على التخييل والواقع في نفس الوقت، وأيضا وبما أن واقع المرأة العربية والأفريقية المعيش يكاد يكون متشابها من حيث سيطرة المجتمع الذكوري، لذلك لا ينفصل واقعهن كثيرا وهن الأقدر على الغوص في تفاصيل النساء الدقيقة. لكل هذه الأسباب تظلم المرأة المبدعة كثيرا سواء من قبل الناقد أو القارئ.
شهادات أخرى من السودان: