مقدمة الملف: المفاجأة الجزائرية
ما الذي يجري في الجزائر؟ هل يبدو السؤال وجيها أم هو مخاتل؟ وكل ما يرى على السطح وفي الأعماق واضح وضوح الشمس، فقد مل الجزائريون تلك المراوحة في المكان التي استمرّت عشرين عاما، والتي أعقبت سنوات الدم الأليمة التي عصفت بجزائر الثمانينات والتسعينات، وشاع فيها خلال حقبة الدم السؤال المخاتل أيضا: من يقتل من؟ بينما القاتل معروف والضحية معروفة.
ولكن ما الذي يجري اليوم؟ أهو خروج إلى الشوارع بالملايين، من غير هدف، كما يحلو للبعض أن يصور، أم أن هؤلاء الذين وعدوا على مدار العقدين المنصرمين بعودة الجيش إلى الثكنات وإرساء دعائم الدولة المدنية الحديثة الكافلة لحقوق جميع أبنائها عربا وأمازيغ ومن جميع المكونات الاجتماعية والثقافية، بما يكفل صون الهوية المتعددة المشارب للجزائر، وتوفير وسائل النهوض بالمجتمع في ميادين العمل والتعليم والصحة والعيش الكريم، سوف يصدمون مرة أخرى عندما يكتشفون أن الصورة القديمة لنمط الدولة والحكم في الجزائر لن يتغير أبدا؟!
هل سينصت أهل العقد والحل في الجزائر، هذه المرة، للصوت الجديد الضاجّ في شوارع البلاد، المطالب، بعزم غير مسبوق، بالتغيير لأجل طي صفحة العجز والعطالة التي ضربت مفاصل الدولة الجزائرية، وقزمت أدوار النخب في المجتمع، وفسحت المجال أمام قوى الظلام والفساد والتسلط والعطالة الفكرية والروحية، وأدخلت الذهنية الجزائرية كما يشهد مثقفو هذا الملف، في نفق النكوص والموالاة والولاء الأعمى للخراب.
إن الإجابة عن هذه الأسئلة ستبقى مرهونة بحركة الشارع وطبيعة الاستجابات المتعددة نحو هذه الحركة، أكان ذلك من جانب النخب بمشاربها المتعددة ومواقعها المختلفة، أم من جانب الجيش، أو من جانب الطبقة السياسية؛ معارضة وموالية للحكم.
الربيع لا يأتي من الماضي ولكن من الآتي. والربيع يزهر في كل أرض يحل فيها الدفء. وكذا التاريخ لا يعود إلى الوراء. الجزائريون، بحراكهم السلمي، يبرهنون يوميا على أنهم لا يريدون أن يذهبوا إلى عشرية سوداء أخرى، ولكن إلى ربيع يزهر في ربوع بلادهم، فهم لا يتطلعون إلى الماضي ولكن إلى المستقبل.
نوري الجراح
شارك في إعداد الملف أبوبكر زمال
تابع الملف: