الرواية والتاريخ

استلهام التاريخ في كتابة الأدب

بهذا العدد الذي يحمل الرقم “60” تودع المجلة عامها الخامس، متجهة نحو عام آخر من الاحتفاء بالكتابة الجديدة والبحث والقراءة والتفكيك في المعرفة العربية والعالمية، آدابها وفنونها، انشغالاتها وهمومها، دون إغفال آمالها ورؤاها المستقبلية.

تمكنت “الجديد” من أن ترسّخ وجودها في التاريخ الإبداعي العربي كواحدة من أبرز الوثائق على مرحلة عربية غاية في الحساسية، شابها ويشوبها الكثير من الاضطراب والتحول والغموض، اليأس والحلم، التشاؤم والتفاؤل.

ما جمع بين مختلف تلك التناقضات ومشروع المجلة، أنها بدت جديدة على واقع عربي راكد، عاش طويلاً تدور به عجلات ثقيلة مهترئة تغوص في وحول صعبة الاجتياز. غير أن هذه الصور شققتها الاهتزازات العنيفة التي تعرض لها الوعي، والتي كان يجب أن تواكب بجهد إعلامي وفكري وثقافي موازٍ يرصدها ويحللها ويعمل فيها أزاميله الباحثة عن سبل تفضي إلى الغد.

من يستعرض ملفات “الجديد” خلال الخماسية الماضية من الأعوام، سيجد أنها حرصت على جمع الأقلام العربية من مختلف المشارب والمذاهب، لتكون نتاجاتها حول الراهن والمستقبل بين يدي القارئ. قارئ هذه اللحظة، وقارئ الأرشيف والباحث المنقّب فيه غداً، سواء في مراكز الشغل الأكاديمي أو مخابر تتبع ما طرأ على الذهنية العربية من تحولات.

الأدباء يشكون من غياب النقد عن الساحة، وكان من المنتظر منه أن يتطور بتطور النصوص الجديدة، لكن “الجديد” عملت وتعمل على تعويض ذلك الغياب النقدي بتحرض العقل النقدي وإبراز نتاجاته عبر المقالات والحوارات والملفات الحساسة التي تتناولها.

المفكرون يندبون حظّ الفكر والفلسفة العربيين في صحراء العرب الجديدة، صحراء التنمية والتقدم وقد باتوا سكان جزيرة متوحدة في عالم ينمو كل ثانية ودقيقة، بينما يحسبون هم درجات تقدمهم بالعهود، والعقود ومئات السنين. جاءت “الجديد” لتعكس لهم صورهم في مراياها، وتعرض لهم كيف يغامر الفكر في العالم، وكيف يفكر حملة الأقلام العرب ممن يبث أدبهم وفكرهم الروح في الجسد العربي.

التشكيليون وصناع السينما والمتمردون على الظلام، محترفو الدقة في حقولهم، الذين لا يكلّون ولا يملّون وهم ينسجون لنا شبكة عالية الجودة من حرير المستقبل، هؤلاء هم مبدعو “الجديد” وضيوفها ورواد صفحاتها. وهي إذ تعطي لمشروعها هذا الوصف، فلأنها تيقنت من أنها استطاعت أن تجعل من وجودها ضرورة لكل مكتبة، وموعداً شهرياً منتظراً لكل مهتمّ بما يغامر به الأدب الجديد وما يرتاده الفكر الحر من آفاق.

تحية لكل الأقلام والإبداعات التي صنعت السنوات الخمس من “الجديد”.

The website encountered an unexpected error. Please try again later.